د. محمد بن إبراهيم الملحم
هل هذا ممكن يا ترى؟ أقصد أن يكون لولي الأمر دور في تحسين مدرسة أولاده؟ الواقع أن الإجابة نعم، وهذا ينطبق على كلا من المدرسة الحكومية والأهلية، وسوف أبدأ بالحكومية لأقول أولا إن الأمر لا يقتصر على المساعدة المالية لدعم ميزانية المدرسة كما هو معتاد بل يتجاوزه إلى جوانب أخرى متعددة: أولها مساندة إدارة المدرسة في مطالباتها لإدارة التعليم بالصيانة والتجهيزات الضرورية فكثيرا ما تلقى خطابات مديري المدارس درجة من التأخير (أو الإهمال أحيانا) تزيد أو تنقص حدتها بمدى أهمية المدرسة (أو من يديرها!) لدى من يتولون هذه الأمور، وهذا مرض إداري لا يمكن التخلص منه بسهولة ضمن تراجع مستوى الرقابة والمحاسبية الإدارية الحالية، وقد شهدت كمدير عام للتعليم حالات متنوعة من هذا القبيل كما شهدت عينة واعية من أولياء الأمور يراجعون الأقسام المختصة في إدارة التعليم لدعم مدارس بناتهم أو أبنائهم، وقد يرفعون الأمر أحيانا إلى مستوى مدير التعليم إذا تعثرت السبل، وهذا جيد وصحي في نظري، وهو حل جزئي لمشكلة الإهمال الإداري لدى أقسام الصيانة والتجهيزات (مع الأسف).
الجانب الآخر الذي يمكن أن يساهم فيه أولياء الأمور هو رصد الحالات السلوكية خارج سور المدرسة سواء فترة دخول الطلاب أو خروجهم للمزل وفي هذه الفترة يكون تواجد أولياء الأمور كثيفا في الخارج وتتكون لديهم معلومات وفيرة عن هذه السلوكيات (خاصة في مدارس الأولاد) ويخطيء ولي الأمر الذي يفترض أن معلمي المدرسة والإداريين فيها على اطلاع بهذه الأمور لأنهم غالبا يكونون مشغولين داخل المدرسة أكثر من خارجها كما أن علاقتهم بهذا المكان هي العبور فقط من سياراتهم إلى داخل المدرسة أو العكس ولا يمكثون في حالة انتظار كحال أولياء الأمور، ولذلك فإنه عندما يصل إلى إدارة المدرسة معلومة عن ظاهرة خارج المدرسة تضطر إلى تكليف أحد منسوبيها لرصد الظاهرة عن بعد بالانتظار في السيارة لفترة من الزمن، ولذلك جدير بولي الأمر التنبه إلى هذه النقطة والقيام بدوره في رصد الظواهر وإبلاغ المدرسة أولا بأول ولا يفترض أنهم على علم كاف بها، وإذا قام بهذه الممارسة كل أو أغلب أولياء الأمور فإن ذلك من شأنه أن يحقق مصلحتين مهمتين: الأولى هي ثقة إدارة المدرسة بما يصلها من إبلاغات من هذا النوع لشدة تكررها، والثانية هي تفعيل إدارة المدرسة غير المبالية وإحراجها لمعالجة المشكلة، ولا شك أيضاً أن الأمر ينطبق بالكامل على الظواهر السلوكية داخل المدرسة والتي ترد لولي الأمر من أولاده، وتتضاعف القيمة الإيجابية لهذا الدور عندما تكون بين مجموعة من أولياء الأمور علاقة ما تربطهم (جيران - أقرباء - معارف) لينشئوا بينهم قروب وتس أب مثلا يتبادلون من خلاله الآراء ووجهات النظر حول الجو السلوكي العام في المدرسة وينقلون ذلك للإدارة بشكل جمعي مفيد، أشير أيضا أن هذه الجزئية تنطبق أيضاً على بعض المدارس الأهلية والتي تشكو من تراجع الانضباط.
هناك جانب ثالث مهم هو الجانب التعليمي، وله عدة زوايا بعضها معروف كالمتابعة اليومية والتواصل مع المعلم ولكن هناك زوايا أخرى مختلفة فعندما نقول مثلاً إن المدرسة الأهلية اشتهر عنها (مع الأسف) أنها تحرص على نجاح الطلاب أو حصولهم على العلامات العالية دون أن يكون ذلك هو حقيقة مستواهم فإن أول متسبب في انتشار هذه الظاهرة هم أولياء الأمور أنفسهم والذين ارتضوا هذا التصرف من المدرسة، والواقع أن المدرسة إنما تستجيب لهم لرغبتهم في ذلك، ولو أجمع أولياء الأمور على الجدية التعليمية وتحدي قدرات أبنائهم التفكيرية وتحسين مستواهم في التعلم وكان هذا هو معيارهم في اختيار مدرسة أبنائهم لرأيت تجار المدارس الأهلية يستجيبون لهذا المطلب في انسجام تام مع مبدأ أن التاجر «يهتم برضا العميل» وسترى حينها المدرسة الأهلية مثال للجودة التعليمية وتخريج الطلاب المتقنين لمهارات التعلم ومهارات الحياة (كما هو حال المدرسة الأهلية في الغرب). والأمر ينطبق على المدرسة الحكومية فلو رفض أولياء الأمور تصرفات بعض المعلمين في حذف أجزاء من المنهج وإعطاء أبنائهم ما يسمونه «أوراق عمل» تتضمن الأسئلة التي سترد منها الاختبارات فإن أداء المعلمين قد يتحسن.
ما قدمته هنا هو أمثلة بارزة لدور ولي الأمر ولكن المجالات متعددة ويمكن الإبداع فيها بحسب ظروف وبيئة كل مدرسة مثل تفعيل مجلس أولياء الأمور لأبعد مما هو الآن، أو التطوع (سواء في التدريس أو الأنشطة أو الخدمات)، كما يمكن للمتقاعدين من التربويين الخبراء تقديم خدمات التدريب للمعلمين والمساهمة واقتراح أنشطة تطويرية، ويمكن لولي الأمر أن يساهم في دعم الهوايات والمهارات الطلابية بما يتوفر لديه هو شخصياً من مهارات حرفية مثلا أو اهتمامات علمية، وهكذا فالمجال مفتوح وواعد جدا فيما إذا انتشرت هذه الثقافة بين أولياء الأمور، وسيكون له أثر ملموس جدا على تحسن المدرسة لدينا.
** **
- مدير عام تعليم سابقا