د. خيرية السقاف
الطفيلي في تراث العرب «صفة» انصرفت إلى المتطفل على موائد الوجهاء، والأثرياء يتندر بطرافته، ويتقرّب بدعاباته، قد يحرّض على الضحك، ويثير السخرية، من حيث يصل إلى مطامعه، وينال رغائبه، ما ذهب به مضرباً للأمثال في التطفل حرصاً، وطمعاً، يفرض به حضوره، ويصل لغاياته..
حديثاً وجدت أن «الملقوف» يشبهه لحد بعيد، وإن اختلفت غاياتهما، ومطامعهما، ووسائلهما، فالملقوف المعاصر «طفيلي» عن كل منفذ، ولعل وسائل التواصل الآن منابره، وموائده، وإن اختلفت لقافته، عن «لقافة» الطفيلي القديم في التفاصيل لكنهما يلتقيان في المعنى الدقيق للتطفل وهو التسلل إلى ما لا يعني «الملقوف» من أمور «فيحشر» فيها أنفه، ويزج بكليته في شأن ليس من شأنه!!..
فكل من يزج نفسه، أو كلمته، أو رأيه، أو موقفه في أمر ليس له فيه «ناقة ولا بعير»، لغرض ليس يخصه هو «الملقوف»!!
لكن ربما لا تكون من أغراض «الملاقيف» المعاصرين الحصول على المال، أو إشاعة الطرفة، وبث المرح، وإنما استعراض «عضلات اللسان»، والإيحاء بالمعرفة، والتوصل للأغراض الخاصة، أو سواها.
و»ملاقيف» هذا الزمن، يشبهون لحد بعيد تلك «الطفيليات» التي تسري في أنسجة المجتمعات فتمرضها، وحيث تمشي، تنقل، وتنشر، وتشيع كل ما تهرف به، فتوهنه، وتمرضه..
إنهم يتفاقمون، مشاعة لهم الوسائل، يتمادون في الحرص على تحقيق غاياتهم، والوصول إلى أهدافهم، طامعين في بلوغ «شهرة»، أو بلوغ «مقتل» من يختلفون معه، أو «نيل» مكسب على حساب صدق، وموضوعية، وتجرد، وحقيقة..
إنهم راغبون في الحضور تحت الأضواء دوماً.. والمثول على موائد أي موضوع يزيدون في نشره، وهم يغمسون «أنوفهم» فيه، وربما في تفاصيل ليست فيه...
هؤلاء لا يحرضون على إشاعة المرح، والفرح، والدعابة الطارئة، وإنما يبثون ما يزكم الأنوف من شواء نفوسهم، وكراهة انبعاثاتهم، وكآبة سطحيتهم، وهشاشة قيمهم..
إن «ملاقيف» الأغراض باختلافها عبء، وداء على الإنسانية في زمن تقدمت فيه وسائل مكافحة «الطفيليات» المرضية، غير أنه يعجزه اجتثاثها عن هؤلاء «الملاقيف» الذين يبثون أمراضهم النفسية في المجتمع البشري، حيث ينتشرون بين الناس فيها، وبكثافة.
ويكون البكاء لوجودهم، ضحكاً عليهم.