د. فوزية البكر
لا شك أن نجاح التعليم (أي تعليم) يعتمد بدرجة كبيرة على تدريب المعلمين ذكورًا كانوا أو إناثًا ودرجة إخلاصهم لعملهم وتوافر الشروط المهنية والمادية المرضية لهم ليحققوا نجاحًا في إيصال رسالتهم، فالمعلم ليس هو من يقف في مقدمة الفصل ليعطي ما هو مقرر في المنهج: المعلم هو من يعامل طلابه بحب وعاطفة واهتمام ومن يعرف حقًا مادته العلمية ويهتم بتنميتها ويقدمها بطريقة تربوية متقدمة وملائمة للعصر وكل ذلك ليؤهل طلابه ويعدهم للعيش بشكل متوازن وصحي وكريم.
وتتميز النساء بحكم أمومتهن وعاطفتهن وقدراتهن على إدارة شؤون الأسرة من التعامل مع الصغار ربما أكثر من غيرهم وهو ما يشجع على قبول فكرة تدريس المعلمات الإناث للصفوف الثلاثة الأولى من المرحلة الابتدائية.
لكن قبل البدء في مناقشة الفكرة قبولا أو رفضا دعونا نزيح عددًا من الأوهام التي ملأت الإنترنت خلال الأيام الماضية وأولها أنه لا يوجد ولن يوجد اختلاط عند تطبيق القرار والسبب أن هذا القرار تحديدًا كان قد أدخل قبل أكثر من 30 سنة إلى بعض المدارس الأهلية في الرياض وجدة وغيرها وتمت تجربته بنجاح ولكن ومع تداعيات الصحوة (التي تغلغلت إلى كل شبر في حياتنا) تم إيقافه تدريجيا حتى تلاشى. ولم يوجد اختلاط قط إذ كانت المعلمات يدرسن البنين في فصول منفصلة لكن كم كان ذلك مريحا للأمهات اللاتي كن يستطعن دخول مدارس البنات حيث توجد فصول أبنائهن الذكور وحضور حفلاتهم والتحدث مع المعلمات ومعرفة نقاط القوة والضعف والمشاركة في أنشطة المدرسة وكنا نلمس التغيير مباشرة حين ينتقل الطالب الذكر في السنة الرابعة إلى قسم البنين فلا تدري الأم ماذا يحدث ولا تعرف أي من الأساتذة الرجال وتذوب تلك العلاقة الدافئة المستمرة التي وجدت مع المعلمات في قسم البنات.
البحوث الكثيرة التي تمت عن الفروق بين المعلمين الذكور والإناث كمعلمين وتأثيرهم على شخصية الأطفال تمت في الغرب ومن ثم فهي متأثرة بثقافة الغرب الذي لا يوجد عنده أصلا فصل بين الجنسين لكن أغلب البحوث وجدت أنه لا يوجد تأثير لتدريس المعلمات على تكوين نموذج الرجل لدى الطفل الذكر بل أشارت بعض الدراسات إلى أن الطبيعة الأمومية للمرأة والأدوار الاجتماعية التي تم تهيئتها لها قد تدعم لعبها أدوار المعلمة والبديلة للأم وتحديدًا في رياض الأطفال والسنوات الأولى للمرحلة الابتدائية.
بعض الدراسات التي أجرتها وزارة التعليم على نتائج الطلاب السعوديين في الامتحانات العالمية (تايمز وبرليز) (نتائج 2011) وجدت فروق لصالح الإناث في السنة الرابعة الابتدائي في هذه الامتحانات وقد يشير ذلك إلى حرص أكثر تبديه المعلمة (بديلة الأم) مقارنة بالمعلم الرجل. مرة أخرى أعود وأؤكد أن العبرة في الحقيقة ليست فقط في جنس المعلم بل هي في تدريبه بشكل مهني ومسؤول وتحميله وتكبير المسؤولية الأخلاقية الملقاة على عاتقه مثله مثل الطبيب والقاضي ولذا أتساءل دائما لماذا لا يؤدي المعلمون القسم عند التخرج وهم يستلمون أثمن ما لدينا؟
تدريس الإناث للصفوف الأولية من المرحلة الابتدائية كان ولا يزال من المواضيع التي ظلت تشغل بال الناس والتربويين وخاصة في مناطق مأزومة بقضاياها الثقافية مثل منطقتنا بحيث يتحول النقاش من فعالية المعلم إلى جنسه وخطر الاختلاط وسرقة وظائف الرجال والصراع بين الذكورة والأنوثة وتتلاشي القضية الأساس التي وجدت كافة الأطراف من أجلها وهي: التعليم والتربية.
لسنا بحاجة إلى هذه الصراعات الجانبية فتعليمنا يعاني مشكلات كيفية هائلة تتعلق بمخرجاته وكفاءته الداخلية وعدالة توزيع الموارد بين مدنه وقراه وغيرها من القضايا الشائكة التي حق لنا أن نناقشها.
البطالة بين النساء في المملكة تشكل تحديّا كبيرًا يشتت موارد البلاد ويطيح بأحلام الخريجات وهم أمامكم بمئات الآلاف ومن الأجدى لنظام الأسرة أن تعمل النساء في المدارس وتعني برعاية الأطفال في سنواتهم الأولى وترعى أطفالها الذين ربما يدرسون في ذات المدرسة ولذا فمن الحكمة دعم قرار تأنيث المراحل الأولية من المدرسة الابتدائية دعما للنظام الأمومي وحماية للطفل الذكر تحت جناح الأمومة واستفادة من خصائص معظم النساء التي تتبدى في الحرص والتفاني لكن التدريب وتعظيم المسؤولية المهنية والأخلاقية والدينية تبقي الأهم التي أن حدثت فنتوقع أن تثبت الشواهد لاحقا من خلال نتائج الطلاب وسلوكياتهم ما يدعم هذا القرار وهو ما يؤكد أهمية الدراسات التتبعية لتجربة مثيرة مثل هذه سواء تعلق الأمر بمستويات التحصيل أو بالتوافق الاجتماعي أو بتعلم مفاهيم السلوك المقبول على المستوى الشخصي والاجتماعي.. إلخ من مخرجات التعليم وطلاب جامعاتنا والباحثون يراقبون.