عبدالوهاب الفايز
بعد صدور التعديلات الأخيرة التي استهدفت (نظام وثائق السفر ونظام الأحوال المدنية) هل نقول إننا وصلنا إلى غاية ما نتطلع إليه لتمكين وحفظ حقوق المرأة؟
المتطلع دائمًا إلى الأفضل سوف يأخذنا لنقف على متطلبات أخرى، يحتاج إليها مجتمعنا، مثل المضي بتطوير الأنظمة والآليات التنفيذية التي يجب أن تتبعها الأجهزة الحكومية؛ لكي تساعد المرأة والطفولة لحفظ الحقوق الأساسية للفئة الأضعف في مجتمعنا.
الأمر الإيجابي الذي مكّن المرأة وجعلها تصل إلى حقوقها التي كفلتها الشريعة الإسلامية هو اعترافنا بالمشكلة؛ وبالتالي عدم تجاهلنا للحقوق الإنسانية. وهذا المبدأ هو الذي سارت عليه بلادنا منذ تأسيسها.
لقد كان الملك عبدالعزيز - رحمه الله - قائدًا سياسيًّا ومصلحًا اجتماعيًّا. ومسار التطوير والإصلاح الاجتماعي الضروري لاحتياجات الناس الأساسية ظل أحد الأركان المحورية لبناء مقومات الدولة الحديثة؛ فكل ما يتعلق باحتياجات الناس، وبخاصة المرأة والطفولة، بقي إحدى الضرورات التي وقف ولي الأمر إلى جانبها بكل إرادة سياسية وحزم.. وشهدنا ذلك في بدايات تعليم المرأة، ثم في حقها بالعمل بعد تعليمها وتأهيلها. وما زلنا نشهد هذا الالتزام حتى الآن في المستجد من الأمور المهمة.
التزام ولي الأمر، وعدم تردده في إنجاز ضرورات معاش الناس، يأتي دائمًا لتحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية، ولا يأتي استجابة لمطالب وضغوطات سياسية، محلية أو خارجية، أو حتى لتحقيق مكاسب شعبية سياسية؛ الأمر تحكمه وتوجهه المصلحة العامة للناس وللدولة.
لقد ظل هاجسنا، سواء مجتمعًا أو حكومة، ضرورة تحقيق تقدُّم وتطور في واقع المرأة، وبخاصة بعد ارتفاع نسبة البطالة. ومنذ سنوات بعيدة عندما يواجهنا الإعلام الغربي بالسؤال الدائم عن منع المرأة من قيادة السيارة كنا نقدم وجهة نظر ترى ضرورة التقدم أولاً في جبهة أهم، هي ضرورة تمكين المرأة من الحصول الخدمات القضائية والصحية والتعليمية بشكل أعمق وأفضل، مع - أيضًا - تمكينها من حقوقها التي تكفلها الشريعة والأنظمة المطبَّقة حينما تتعرض لمصاعب الطلاق والترمل والتنقل والعمل.
لقد كانت لدينا إشكالات حقيقية في هذه الجبهات، وكنا في الإعلام منذ عقدين من الزمن ننشر التحقيقات الصحفية عن معاناة المرأة في المحاكم وفي تأخُّر تنفيذ الأحكام، وساعدنا في هذه المهمة عدد من أصحاب الفضيلة المشايخ والقضاة الذين تقع بين أيديهم حالات مزعجة إنسانيًّا واجتماعيًّا، ولا تقبلها الشريعة الإسلامية، وكانوا يرون أن ولي الأمر عليه واجب حماية الطرف الأضعف بين الناس لتمكينهم من حقوقهم.
هذه المواقف الإيجابية من الإصلاح والتطوير لأمور الناس ومعاشهم لم تكن غائبة عن القيادات الدينية والاجتماعية؛ فقد كانوا مع ولي الأمر يوجهون ويعينون ويدعمون فيما يراه لرفع الظلم، وتحقيق العدل. ومواقفهم الأدبية الشجاعة التي تعكس مقاصد وسعة أفق الشريعة الإسلامية لم نكن نستغربها، وكنا نسترشد بها للتوضيح أو الدفاع ضد مَن يتهمون قيادات بلادنا الدينية والسياسية بالتخلف والضعف، أو عدم مسايرة احتياجات الناس.
والآن علينا أن نستخدم هذا التصور الإيجابي الشجاع لشرح مسوغات وحيثيات القرارات الأخيرة لتطوير نظام وثائق السفر والأحوال المدنية؛ حتى لا يخرج (مَن يعتقد) أن ما تقره الحكومة من إجراءات إنما هو استجابة لمطالبه أو مطالبها، وكأن الموضوع لم يمر على لجان عديدة، ومستشارين من أهل الحل والعقد والحلم ممن يثق بهم ولي الأمر لدراسة وتحليل الأوضاع؛ وبالتالي الاجتهاد بالرأي والمشورة لولي الأمر.
الأمر السلبي والسيئ في أي مجتمع هو وجود مَن يريدون اختطاف أو اعتراض الإصلاح السياسي والاجتماعي لأغراضهم وأهدافهم الشخصية. هذا خطر لأنه قد يؤثر في مدخلات القرارات وصنع السياسات؛ وبالتالي انجرافها إلى (الشعبوية السياسية).
نحن في مجتمع يقع تحت مظلة دولة محورية رئيسية، لها سيادتها الكاملة، وحصلت على هذه السيادة بالكفاح والتضحيات، وتقوم على مقومات وحدة وطنية، تزداد تماسكًا كلما اشتدت عاديات الزمن، ولا يمكن أن تهزها الرياح العابرة في تيارات تبدُّل المصالح في السياسة العالمية أو الإقليمية.
نريد أن نتعايش مع العالم، ونكون جزءًا فاعلاً ومتفاعلاً مع المجتمع العالمي. ولا يمكن أن ننعزل عن الحراك الدولي. والحمد لله أن بلادنا منذ تأسيسها وهي في تواصل وتفاعل مع العالم، وظلت تتخذ من القرارات ما يخدم مصالحها ومصالح شعبها.