فهد بن جليد
كثير من الآباء الذين قابلتهم تنازلوا أو تخلوا -بمعنى أصح- عن معايير الجودة التي رسموها، وخفضوا من سقف تطلعاتهم وطموحاتهم وأحلامهم فيما يخص مستقبل أولادهم، ونوع المدارس التي يريدون اختيارها لهم، الجميع في بداية الأمر يتطلع وينظر للمدارس العالمية ذات اللغات الأجنبية، فالتعليم العالمي الجيد ذو المستوى والجودة المرتفعة في التقييم يظل هاجساً للجميع، وهو حلم وحق مشروع لأي (أب أو أم)، ولكن الواقع عادة يكون غير منصف ومغاير، لتتبخّر تلك الأحلام -لأسباب وتحديات عديدة- ينخفض معها سقف التطلعات إلى المدارس السعودية في التعليم العام وتبدأ دوامة أخرى من التحديات والعقبات، فهل أتحدث عن (الرسوم الدراسية) المرتفعة للمدارس الأهلية ذات السمعة الجيدة، أم أتحدث عن عقبات التسجيل والزحام في المدارس الحكومية المجانية المُناسبة، أضف إلى ذلك معضلة وعقبة المواصلات (الذهاب والعودة للمدرسة) التي تعد عائقاً حقيقاً في الكثير من القصص، كل هذه العوامل وغيرها جعلت العديد الآباء يفيقون من حلمهم (فجأة) ليجدوا أولادهم يدرسون في المدارس القريبة من منازلهم، وليقتنعوا ويرضوا بالمستوى التعليمي والبيئة التعليمية والثقافية التي سيعيش فيها أبناؤهم سنوات عمرهم الأولى، فهل هذه الصورة والمعادلة هي الحل العادل؟!
اختيار نوع التعليم الجيد والأفضل حق مشروع وهو مسؤولية الآباء في المقام الأول، لذا لا يجب التنازل عن الخيار الأفضل إن كان ممكناً من الناحية المادية والقتال من أجل ذلك بكل الوسائل، فالاستثمار في تعليم الأولاد ذو مردود ومكاسب مكفولة ومضمونة، وفي حال خفض سقف التطلعات والقبول بتعليم في مدارس ذات جودة أقل، فيجب اتخاذ خطوات عملية لزيارة المدرسة والمُطالبة بحقوق الأطفال لناحية البيئة التعليمية ونوعية الفصول والعوامل المحيطة من (إضاءة وتهوية ومقاعد، ودورات مياه ... إلخ) إضافة حق الطفل في التحرك والتحدث بحرية دون إقصاء أو إرهاب نفسي وخوف من المعلم أو فرض لوجهة نظر واحدة، بل القبول بكل الآراء وطرحها للنقاش العلمي بعملية الإقناع التي تشكِّل شخصية الطفل بعيداً عن عوامل وأساليب التعليم التقليدية السابقة.
انخفاض أداء ومستوى العديد من المدارس الأهلية وعدم سعيها للتطوير، مردُّه -برأيي- اقتناع ورضاء أولياء أمور الطلاب بالواقع الذي تعيشه هذه المعاقل العلمية لأنَّها تحقق لأغلبهم (هدفين رئيسيين)؟ رسوم سنوية معتدلة، ومعتدلات مرتفعة في شهادات الطلاب نهاية العام الدراسي، مثل هذا الطموح والسقف لن يضمن لنا مخرجات تعليمية فاعلة ومفيدة تتوافق مع احتياج وتطلعات المستقبل، فسنبقى على الورق متميزون ومتفوقون، ولكنَّنا في الواقع غير ذلك، والسبب هو (اللبنة الأولى)، فاختيار (أول مدرسة) سيلتحق بها ابنك أو بنتك هو العتبة الأولى التي ستحدِّد اتجاه صعوده لاحقاً في نهاية السلم، لذا أتطلع وأتفاءل بخطوات وزارة التعليم الأخيرة فيما يخص إسناد التعليم الابتدائي للمعلمات في الكثير من المدارس فلربما تغيّر الواقع نحو الأفضل، لأنَّ الطفل في هذه المرحلة بحاجة للتعلّم من الأم أكثر.
وعلى دروب الخير نلتقي.