رجاء العتيبي
بتوقيعها النهائي على الإعلان الدستوري بين المجلس الانتقالي العسكري وقوى المعارضة بالسودان السبت الماضي تسطر السودان أجمل صفحات التاريخ، وتؤكد للعالم كله أن هناك حلولاً يمكن أن ترى النور بالحوار والتفاهم والنقاش، وأن هناك توقيعاً على اتفاقيات يمكن أن تعبر بالإنسان إلى مستقبل مشرق مليء بالحب والسلام.
وطالما أن سلامة السودان كبلد يمثل هدفاً مقدساً فإن المجتمعين لم ينساقوا وراء الحرب والتفجير والاغتيالات رغم كل المحاولات المبيتة التي حاولتها قوى الشر من خلف الكواليس.. إنه الإنسان السوداني المتحضر النبيل الطيب الجميل الرائع الودود، رفض كل طرائق الشر ورفض الاستماع للأشرار، وعرف أن بلده لا ينهض إلا بأبنائه بمختلف شرائحهم.
أنظر إلى المحاور السوداني وهو يتحدث وهو يناقش وهو يتحاور، لا تجد فيه غلظةً مقيتةً، ولا هيجان، ولا انتفاخ أوداج، ولا كذباً ولا جدلاً، ولا توظيفاً للدين، ولا سباً ولا شتماً.. لقد أعاد السوداني العظيم للإنسانية تفاؤلها يوم فقدنا كل شيء جميل في البشر عندما سالت دماء الأبرياء باسم الدين من تجار الدين.
فرحة عارمة عمت شوارع السودان، وغمرت كل منزل، وابتهج بها كل سوداني يحب بلده ويثق في قيادته، فرحة لا تعادلها فرحة وهم يرون السودان يعبر أزمة برجال يعتمد عليهم وعقلاء يرون الحق حقا ويتبعونه, إنها بيئة آمنة -الآن- يكبر فيها الأبناء والبنات ويحققون فيها طموحاتهم, وسط فرحة الوالدين.
الجماهير السودانية فرحت بالاتفاق لأنها تملك عقلاً يزن بلداً، تعرف أن البيئة الآمنة هي خير من ألف حرب، وألف طائفة، وألف حزب، وألف خطاب.. ومن جهة شاهد السودانيون كغيرهم من العرب أثر ما يسمى بالثورات العربية التي أشعلتها قوى الشر، فاشتعلت بسببها حروب ونتج بسببها فقر وخراب ودمار، بهذا الوعي السوداني الفريد، لا مجال لتكرار المآسي في بلد يشع طيبة وحب وسلام.
العائلة السودانية التي يتصف أفرادها بالتعاون والتكاتف والمساعدة على مستوى الأخوة وأبناء العمومة والقبيلة، لا يمكن أن يقتل بعضهم بعضاً، وحتى لو حصل شيء من ذلك بفعل السياسة لا يمكن أن يستمر، فما يلبث المتحاربون أن يحكموا العقل وتعود المياه إلى مجاريها، وفي صفحات التاريخ السوداني ما يثبت ذلك ويشهد به.
وجد التصالح بين الفرقاء في السودان دعما خليجيا: من السعودية، ومصر، والبحرين، والإمارات، ودعما آخر من دول ومنظمات إفريقية، ولأن النية السودانية صادقة، جاء التوافق السوداني نموذجاً حياً ينسف كل أطروحات العنف التي تنادي بها الجماعات الإرهابية التي تريد أن تصل للكرسي بأيّ ثمن حتى لو أهلكوا الحرث والنسل.
ألف مبروك لأهلنا في السودان، ألف مبروك لأصدقائنا السودانيين في السعودية وكل دول العالم.
يوم مجيد نشارككم أفراحه.. وندعو الله أن يتم أمنه وأمانه على بلد نحبه ويحبنا.