د.عبدالله بن موسى الطاير
اقتبس أحد المتحدثين الإيرانيين مقولة لنائب وزير الاستخبارات الإيرانية للحرب النفسية المتقاعد، وصف فيها حال الدولة والنظام الإسلامي في إيران في كلمات تغني عن مجلدات، قال فيها: «الماضي مات، والمستقبل لم يولد»، واعتبر الباحث الإيراني أن ذلك مؤشر على الحاجة الملحة للإصلاح في بلاده على جميع المستويات.
طرحه الواقعي شجعني على الإدلاء بشهادتي عن أهمية الإصلاح، وتحدثت له وللجمهور عن أن السعودية تعبر منذ تولى الملك سلمان -أيَّده الله- الحكم عملية تحول قاسية، وعميقة في سعيها الجاد للإصلاح، وأن السعوديين يستطيعون رؤية بلدهم بعد خمسين عاماً من الآن، وهو ما لم يكن الحال عليه قبل خمس سنوات، حيث كان نطاق رؤيتنا لا يتجاوز 5 إلى 10 سنوات.
هناك إجماع في المؤتمرات التي تناقش موضوعات العلاقات الدولية في أمريكا وأوروبا على أن السعودية تتغيّر للأفضل، وأن الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله- هو قائد التغيير، ويتحدثون عنه بإعجاب، وعن السعودية باحترام، ويرون أنه الرجل القوي القادر على تحمّل تبعات الإصلاح، والشجاع في مواجهة ارتداداته، وأنه يأخذ المملكة إلى المستقبل بكل ثقة واقتدار.
الموضوعات الصغيرة التي تعترض طريق الإصلاح، والتي هي مادة الإعلام المعادي وبخاصة قناة الجزيرة، ليست مطروحة للنقاش في اللقاءات المحترمة التي تلتقي فيها النخب من باحثين وسياسيين سابقين وذوي خبرات في المجالات الحيوية. كل التركيز والنقاش يوجه للقضايا الدولية الكبرى التي تلعب المملكة فيها أدواراً محورية كواحدة من أهم الدول في المنطقة، ولاعب دولي محترم، وشريك يمكن الاعتماد عليه.
يفاجئك من بين الصفوف باحث من اليابان أو الأرجنتين أو دولة إفريقية يسأل عن مسار من مسارات رؤية 2030 بشغف واهتمام كبيرين، ويلح في معرفة التفاصيل عن الحد الذي يمكن أن تصل إليه المملكة في الانفتاح، وفي تنويع مصادرها غير النفطية، وفي دورها في حفظ الأمن والاستقرار، البعض يخجلك أنه يعرف أكثر مما تعرف من تفاصيل، والبعض يشعرك بالفخر بقيادتك عندما تسمع منه الثناء على قائد التغيير في المملكة، وقد أصبح علماً من رواد الإصلاح ومحاربة الفساد في العالم.
أن يتطرق الأصدقاء إلى مشروع الإصلاح في السعودية فذلك متوقع، ولكن أن تسمع من إيرانيين، وإسرائيليين قادمين من طهران ومن تل أبيب عبارات تشي بأن مشروع الأمير محمد بن سلمان في محاربة الفساد، والجرأة في الإصلاح يمكن أن يكون نموذجاً لبلدانهم أو غيرها فإنك لا تتردد في تذكر القول المأثور بأن الفضل ما شهدت به الأعداء.
أعتقد أن واحدة من ملامح هذه الحقبة السعودية هي كسرها للحواجز المفخخة بالكراهية بين الإنسان وأخيه الإنسان، وعدم استهلاك الحاضر والمستقبل في تقليب صفحات الماضي التي صنعها رجال أفضوا إلى ربهم، وبدلاً من ذلك إتاحة الفرصة للأحياء من الرجال والنساء لصناعة المستقبل بالطريقة التي يرونها مناسبة وسيحكم عليهم التاريخ كما حكم على الذين من قبلهم.
الحضور السعودي في المؤتمرات الأكاديمية الدولية الجادة يتحسّن، ولكنه يتطلب المزيد، مع وضع إستراتيجية واضحة للمشاركات، وقاعدة بيانات بالباحثين، مع دعمهم بالترشيح والمعلومات. التقيت سعوديين من الشباب والشابات يشرحون الخاطر، وكلهم حماس للمناقشة والمداخلات بموضوعية، وبمعلومات، ويتقبلون وجهات النظر المخالفة، ويردون عليها بهدوء ومنطق.
ما زال الإيرانيون رغم الحصار عليهم يتصدرون أعداد الحضور في المؤتمرات التي تعقد في أوربا ويتحدثون بمهنية تثير الإعجاب مهما اختلفنا مع طروحاتهم. يليهم في أعداد الحضور الإسرائيليون الذي يريدون الانفتاح على منطقة الشرق الأوسط من خلال المؤتمرات الأكاديمية.
لدينا كسعوديين مشروع كبير يتمثَّل في الرؤية والإصلاح، وهو مادة تشكِّل الوعي الجمعي على مدى عقود قادمة من خلال المحتوى والمكتبة. في هذه المؤتمرات تُصنع السمعة الحقيقية، وليس من خلال المؤتمرات الاحتفالية التي ينتهي أثرها بجلساتها الختامية وتغريدات أو سنابات على شبكات التواصل الاجتماعي تبجل المنظمين لتلك الفعاليات.