عمر إبراهيم الرشيد
استحضرت هذه الحكمة حين قرأت قبل أيام خبر حصول اللاجئ الكردي بهروز بوجاني على رابع جائزة أدبية على كتابة سيرته الذاتية. يختلف البشر في ردود أفعالهم وتعايشهم مع ما يمر بهم من ظروف ومسرات أو مضرات، بعضهم يستسلم لليأس، والبعض يبطر، وآخرون يعتبرون المصائب مرحلة اختبار وصقل لنفوسهم وعقولهم. ولكل إنسان كما نعلم طاقات كامنة قد لا يدركها إلا ساعة الشعور بالخطر، فترى الخامل في نظرك ينطلق بأقصى سرعة لم يتخيلها هو نفسه درءاً لخطر داهمه أو أحداً من ذويه. صاحب هذه السيرة التي كتبها فر من اضطهاد حكومة طهران له كونه من الأقلية الكردية، وهذه سياسة تلك الحكومة مع غير الفرس، فر عبر البحر وتم انتشال قاربه حتى وصل إلى أستراليا، حيث احتجز كلاجئ في مركز بجزيرة مانوس الأسترالية ولا يزال هناك منذ ست سنوات. هذه الرحلة المحفوفة بالأهوال من خوف من المجهول وحيتان البحر وصراع مع الأمواج، وكأنه بطل رائعة ارنست همنجواي (الشيخ والبحر)، ثم احتجازه في مركز اللاجئين في تلك الجزيرة، إضافة إلى مشاعر الغربة وعدم الاستقرار، كل هذه شكلت مداد هذه السيرة التي نال بها تقدير الدولة التي لجأ إليها. وبما أن المعاناة والمآسي مصدر للإبداع لبعض البشر كما هو في سير معظم الكتاب والمفكرين، المخترعين والمكتشفين، فإن هذا اللاجئ الذي نال أربع جوائز تقديرية حتى الآن يندرج ضمن هذا الصنف من البشر. ما يصدر من القلب يلمس قلوب الآخرين، والقراء والناس عموماً تميل إلى القصص الحقيقية أكثر من تلك المنسوجة من الخيال، فما بالكم بمن يسرد قصته بصدق واقتدار، حبرها المعاناة والمخاطر مع الآمال والأحلام.
الكتابة علاج وأسلوب فعَّال لاستخراج ما في النفس من جمال وقوة، فكيف بمن امتلك هاتين الصفتين أن ينهزم أمام نوائب الدهر وتقلبات الحياة، ولن يكتب من لم يقرأ، طابت أيامكم وإلى اللقاء.