د. إبراهيم بن عبدالله المطرف
تتمثل أحد أهم نجاحات اللوبي السعودي في واشنطن، في مسألة شراء طائرات الإواكس التي يعتقد أنها كسرت سطوة اللوبي اليهودي على السياسات المتعلقة بالشرق الأوسط، حيث نجحت المملكة برغم معارضة اللوبي الإسرائيلي الشديدة. ويستند نجاح الصفقة إلى كون المملكة قد اتبعت إستراتيجية متكاملة، ساعدتها على أن تجمع دعمًا جماهيريًا، أكبر من الدعم الذي استطاعت إسرائيل حشده، الأمر الذي يعني أن المملكة نجحت لأنه كان لديها إستراتيجية شاملة ومتكاملة، تواصلت من خلالها مع كل من أعضاء الكونجرس ورجال الصحافة، فضلاً عن حقيقة أن كل خطوة اتخذتها المملكة كانت مبنية على بحث دقيق، يعد من قبل ما سُميت بمجموعة الدراسة والتقييم، التي كانت تعمل على جمع المعلومات لحكومة المملكة، ما ساعد على تحقيق الحشد الشعبي من أجل التأثير في الكونغرس من جهة، وعلى النقابات العمالية التي لها مصلحة من الصفقة من جهة أخرى.
ووفقًا للموقع الإلكتروني الأمريكي (ذا هيل The Hill)، فإن نجاح المملكة المتعلق بشراء مقاتلات الإواكس يعود لعاملين أساسيين هما، التواصل مع الشركات المصنعة ومع النقابات العمالية التابعة لها بهدف خلق قاعدة شعبية لدعم الصفقة، وهي القاعدة الشعبية التي كانت أقوى من قاعدة اللوبي الإسرائيلي وكذلك دعم الرئيس ريجان الذي كان يحظى بتأييد جماهيري واسع، والذي صور الصفقة على أنها جزء من إستراتيجية الولايات المتحدة، في تحجيم النفوذ السوفياتي في العالم آنذاك.
وعلى الرغم من «النصر» الذي حققته المملكة من صفقة الإواكس، فقد كان نجاحًا قصير المدى، حيث لم يتابع ذلك النجاح، ليصبح بداية لبناء لوبي سعودي دائم.
لقد كان ولا يزال هناك جهود سعودية للتأثير في الرأي العام الشعبي والرسمي في الولايات المتحدة، ومع أن تجربة المملكة في دعم مطلبها الخاص بشراء طائرات الإواكس كانت ناجحة جدًا، إلا أن العمل اللوبي السعودي ظل موسميًا، أو وفق أزمات وقتية، ينتهي الجهد اللوبي بعدها، وهو أمر يتطلب إعادة النظر فيه من خلال إستراتيجية عمل للوبي سعودي دائم.
هناك فرص لا محدودة، أمام بناء «لوبي» معاصر يستخدم كل ما يتيحه العصر من أدوات غير مسبوقة، تطرحها على العقل المنشغل بتأسيس لغة «اتصالية» جديدة، ثورة المعلوماتية، وتقدم تقنيات الاتصال التي فتحت أبوابًا واسعة للتواصل مع كافة الأطراف، التي يسعى اللوبي إلى الحوار معها.
وننطلق في ذلك من أهمية وسائل الاتصال، وأهمية شبكات التواصل الاجتماعي في حياتنا عامة، وفي خدمة العمل الدبلوماسي الشعبي والرسمي، وفي قلب ذلك كله، أدوار عدّة يستطيع الشباب السعودي أن يقوموا بها، فيما لو تم استثمار طاقاتهم ومواهبهم وقدراتهم على النحو الصحيح، حيث أصبحت الأماكن أقرب إلى بعضها بعضًا، وأصبح الأشخاص والجماعات والكيانات والمنظمات التي تعبّر عنهم أقرب مما كانوا عليه منذ عقدين من الزمن.
ولا يختلف اثنان على أن الاستعانة بالشباب في العمل الأهلي بشكل عام، وفي أيّ عمل من أعمال الدبلوماسيّة الشعبية سوف يساعد على تكوين مجموعة ضغط قوية لصالح المملكة، أو يستهدف التأثير في «الصورة» النمطيّة الشائعة والسائدة عن السعودية والمواطن السعودي، فضلاً عن استهداف تغيير هذه الصورة.
ويمكنني القولُ بأن الشباب السعودي يستطيع أن يضيف الكثير في خدمة هذه القضية، وفي غيرها من القضايا، إن أُحْسِنَ توظيف قدراته ومهاراته في مجال المعلوماتية وتقنياتها، أو تم توظيف مهاراته الحوارية في جماعات يمكن إطلاقها في مناقشات منظّمة مع غيرها من جماعات الشباب في الدولة التي يستهدفها «اللوبي» السعودي.
وهذا نموذج واحد من عشرات النماذج والأمثلة التي يمكن تقديمها، في الإفادة من قدرات وطاقات الشباب السعودي، وفي إطار توظيف ثقافتهم ومعارفهم الحديثة، في خدمة الأهداف الخارجية للسياسة السعودية ضمن عمل أهلي منظّم.
إن فكرة تطوير أو إعادة تأهيل مشروع «اللوبي السعودي» تنطلق من أهمية تعزيز المكانة الدولية للمملكة وفي هذا الصدد، نوصي باستنهاض ما أمكن من همم وطاقات، واستنفار ما أمكن من جهود، خاصة في إطار «المجتمع الأهلي» وتطوير الشراكة المجتمعيّة باتجاه حشد الإرادات القادرة على خدمة الوطن في هذا المجال الحيوي، او في أي من المجالات المساندة له، وصولاً إلى أقضل أداء يعزز «النموذج السعودي» و «صورته الذهنية» رسالة وموقعًا ودورًا، في كافة المجالات الحيوية «للخيارات السعودية» بكل أبعادها الإستراتيجية.