عثمان بن حمد أباالخيل
ثقافة الحوار هي أسلوب حياة، أسلوب تراحم وتفاهم مع الآخرين، أسلوب للانسجام والتعايش والبُعد عما يعكّر الصفو والتآخي والمحبة. أسلوب تقارب في الأفكار، والابتعاد عن التناقض والتناحر.. أسلوب لترسيخ القيم الدينية والاجتماعية والاقتصادية واللحمة والوطنية والانتماء.. لن أتعمق في مفاهيم الحوار، ولكنني سوف أركز على الحوار داخل المدارس في جميع مراحلها التعليمية. المدرسة هي الركيزة الأولى في مهمة تربية وتعليم وتهذيب الأجيال، وغرس وتعزيز ثقافة الحوار. وكما هو معروف، المدرسة هي البيت الثاني للطلبة والطالبات؛ إذ يقضون فيها معظم أوقاتهم؛ فيقع عليها مسؤولية كبيرة في تدريبهم على الحوار، وهم يأخذون ويستمعون ويعجبون بالمعلم والمعلمة أحيانًا كثيرة أكثر من أمهاتهم وآبائهم.
مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني صاحب الرؤية الواضحة التي يمكن تحقيقها - إن شاء الله - وهي: (حوار بناء لوطن مزدهر). أما رسالة المركز فهي تعزيز ثقافة الحوار: (تعزيز ثقافة الحوار واحترام الاختلاف والتنوع محافظة على الوحدة الوطنية، وحماية الرسالة للنسيج المجتمعي من خلال التواصل الفاعل، والشراكات المثمرة محليًّا ودوليًّا). أنشطة المركز عديدة، وكلها تهدف إلى تعزيز ثقاة الحوار التي منها الملتقيات الشبابية ومقهى الحوار والمزيد من الأنشطة.. وكم نحن فخورون بأكاديمية الحوار للتدريب التي يسعى المركز من خلالها إلى توفير البيئة الملائمة الداعمة للحوار الوطني بين أفراد المجتمع وفئاته (من الذكور والإناث) بما يحقق المصلحة العامة، ويحافظ على الوحدة الوطنية المبنية على العقيدة الإسلامية.
المعلمة والمعلم هما الركيزة الأولى لشرح ماهية الحوار وأساليبه وطرقه، وكيفية إيصاله إلى الطلبة والطالبات بالطرق التي تتماشي مع أعمارهم ومستواهم التعليمي. وهنا تقع المسؤولية على وزارة التعليم بالتواصل والتفاهم مع مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني لتدريب عدد كبير من المعلمات والمعلمين في أكاديمية الحوار للتدريب، وفي مناطق المملكة كافة لتزويدهم بماهية الحوار وتطبيقه في مدارسنا. إن المعلم والمعلمة يمكن أن ينشرا فكرًا حواريًّا راقيًا، وثقافة بين الطالبات والطلبة. من أساليب تعليم الحوار الأسلوب المباشر الذي يتم على الطاولة المستديرة في المدارس. ويتم اختيار المواضيع الحوارية التي تتناسب مع أعمارهم، وتوسع مدارك الطلاب، وتعمل على تنمية أفكارهم؛ لأنهم بأنفسهم يتوصلون إلى المعلومات والمفاهيم بدلاً من أن يُدلَى بها من قِبل المعلمة والمعلم. والأسلوب المباشر للحوار يكسب الطالبات والطلبة مهارات الاتصال والتواصل والتفاعل واحترام الآخر. وعندما يتعودون على ممارسة الحوار في المدرسة سوف ينتقل إلى البيت، ومن ثم إلى المجتمع.. والنتيجة تخريج جيل ينعم بسعة الأفق وتقبُّل الآخر، ويؤمن بالحوار، ويكون الغرس مثمرًا.
وفي الختام دور المعلم والمعلمة والمدرسة وبيئة الحوار دور مهم في غرس ثقافة الحوار عند الطلبة والطالبات؛ وهو ما يعزز مفهوم الحوار ونشره وترسيخه. مقولة (التعليم في الصغر كالنقش في الحجر) تعزز تعليم الحوار في الصغر كالنقش في الحجر؛ إذ يأخذ وقتًا، لكنه يبقى طوال العمر.
من أقوال الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله-: «كنت أقول للطلبة في المحاضرة الأولى إن رسوب أي منهم يعني فشلي في تدريس المادة قبل أن يعني فشله في استيعابها».