الرياض - خاص بـ«الجزيرة»
لا يختلف اثنان على تحريم الشريعة الإسلامية لـ»المخدرات» بجميع أنواعها وأشكالها، وأنها من «الموبقات» لما تسببه من المفاسد والأضرار على الفرد والمجتمع. وبلدان العالم أجمع تعاني من تفشي «المخدرات» وانتشارها، والمملكة العربية السعودية ليست بمعزل عن تلك البلدان؛ وبذلت ولا تزال تعمل على محاربة هذا الفيروس الخطير، والضرب بيد من حديد على المستخدمين والمروجين ومن يسانده.. وعلى الرغم من ذلك لا تزال الحاجة قائمة للتوعية عن «سموم المخدرات» ومصائبها، وما تحدثه من أضرار كبيرة وجسيمة في المجتمع.
(الجزيرة) التقت بعدد من المتخصصين في مختلف المجالات من شرائح المجتمع لمعرفة السبل الكفيلة لحماية الوطن وأهله من «المخدرات» والحد من انتشارها بين الشباب.. وكانت تلك الرؤى:
تدمير القيم والمثل
بداية يؤكد فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن صالح الحميد رئيس محكمة الاستئناف بمنطقة الرياض سابقاً أن للمخدرات أضراراً فتاكة سواء على الأفراد أو المجتمع أو الأمة، ولما تخلفه من تدمير للقيم والمثل، ولما تلحقه من هلاك للمستعمل أو المجتمع؛ وما دخلت المخدرات مجتمعاً إلا رافق ذلك سيل هائل من الجرائم. وإن أعظم ثروات الأمة شبابها، وإذا فقدت الأمة شبابها وانغمسوا في المخدرات فعلى هذه الأمة السلام.
والمجتمع كله مطالب ببذل الجهد الكبير في التحذير منها، والتوعية بأضرارها، وكل قطاعات ومؤسسات المجتمع معنية بمحاربة هذا الداء، حيث إنه إذا تضافرت هذه الجهود وصدقت النيات، سوف تحمى -بإذن الله- بلادنا وشبابنا وأمتنا من هذه الآفة الضارة.
التعزيز والثقة
ويرى الأستاذ عبدالله بن أحمد آل المحسن رجل الأعمال ومستشار إدارة أصول المستقل: أن بناء وتنمية الحصانة الذاتية والمجتمعية هي أفضل إستراتيجية للوقاية من المخدرات على المدى البعيد, ويجب أن يكون ذلك في صدارة الاهتمام, ويشمل ذلك بناء وتعزيز قدرات الشباب الدينية والاجتماعية والسلوكية، وتنمية ثقافتهم وثقتهم بأنفسهم، وتبصيرهم بدورهم الاجتماعي الهام, وفتح سبل الإنجاز والإسهام لهم, كما ينبغي بالمقابل أن تزداد ثقتنا بهم، وأن نساعدهم في زيادة ثقتهم بأنفسهم, حتى يتجسد كل ذلك في الامتناع والمقاومة الذاتية وعدم الخضوع لإغراءات التعاطي.
كبرى المخاطر
ويبين الدكتور خالد بن سليم الحربي؛ أستاذ علم اجتماع الجريمة المشارك وكيل كلية العلوم الاجتماعية للدراسات العليا والبحث العلمي بجامعة أم القرى: أن مشكلة تعاطي المخدرات وإدمانها أضحت من كبرى المخاطر التي تهدد المجتمعات وتفتك بها؛ إذ تؤكد أحدث التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة أنَّ ربع بليون شخص تقريبًا، أي 5 % من سكان العالم البالغين (الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 سنة)، تناولوا مخدِّرات غير مشروعة مرة واحدة على الأقل خلال عام (2015م). وأن عدد متعاطي المخدِّرات حول العالم يبلغ 29.5 مليون تقريبًا، أي 0.6 % من سكان العالم، وأن عدد الوفيات الناتجة عن تعاطي المخدرات بلغت خلال عام (2011) 211000 حالة وفاة مخدرة خاضعة للمراقبة الدولية.
لقد تنبهت حكومة المملكة العربية السعودية لهذا الخطر منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمة الله- ثم جاءت الرؤية الوطنية الطموحة 2030 لتؤكد على أهمية حماية أبناء هذا الوطن من هذه الآفة القاتلة، حيث تضمنت أهداف هذه الرؤية أهدافاً مهمةً وجوهريةً لتؤكد على تحقيق نتائج مهمة في مجال الوقاية من المخدرات والحد من انتشارها في المجتمع.
وعليه فأنه يتضح لنا بجلاء الجهود الكبرى التي تقوم بها حكومة المملكة العربية السعودية في مجال محاربة المخدرات ومكافحتها والوقاية منها، وذلك من خلال عدة مناظير «قانونية، منعية، وقائية، علاجية.. وتأهيلية». وعليه فإن هناك جهودًا رسمية كبرى تقوم بها حكومة المملكة العربية السعودية في مجالات الوقاية والمكافحة والعلاج والتأهيل والرعاية، وفي مقابلها نلاحظ قصوراً واضحاً وكبير في حجم الجهود التي تبذل من قبل مؤسسات القطاع الخاص في دعم جهود الدولة في مجالات الوقاية والعلاج والتأهيل، وغياب مفهوم المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص في هذا المجال.
إننا إذا ما أردنا أن نحقق النجاحات المأمولة في مجال حماية المجتمع من المخدرات والحدّ من انتشارها فإننا نحتاج لجهود متكاملة بين جميع المؤسسات الرسمية، ومؤسسات القطاع الخاص السعودي لخلق شراكة قوية يتم من خلالها رسم إستراتيجيات وخطط علمية وعملية لبرامج وقائية فاعلة وقابلة للتطبيق تركز على الأسرة والمجتمع.
عمليات تحديث
ويقول الأستاذ ماجد بن بدر الدوسري رجل الأعمال رئيس شركة: إن المخدرات داء ضار ولابد من عمليات التحديث في مواجهته من خلال إعادة صياغة العقوبات والجزاءات عليه، حيث إن المتعاطي لا يزج بالسجن أو يعاد تأهيله في مستشفى الأمل لأنه لا جدوى منه إطلاقاً، ولا بد من إدخاله في فعاليات نشيطة مثل الرياضة. وأعتقد أن مواجهة المخدرات أو أيّ نزوة أخرى تنبع من الإنسان نفسه كيف يكون صلباً وقوياً بالتحصن الإيجابي منها.
خطة علاجية
وتوضح الأستاذة مسفرة بنت إبراهيم الغامدي قائدة تربوية، نائب رئيس لجنة التعليم الأهلي، ونائب رئيس الخدمات الرئيسة بغرفة جدة: أن ظاهرة الإدمان على المخدرات ليست حكراً على جماعة ما أو فئة اجتماعية بعينها أيّ إنها لا تفرق بين الفقير والغني المرأة والرجل؛ تعاطي المخدرات يؤثر على المجتمع ككل، لذا وجب علينا العمل على نشر الوعي والتثقيف بأضرار المخدرات وتنمية الوازع الديني، ومساعدة المدمن من خلال برامج تساهم في إقناع المدمنين للذهاب إلى العيادات المختَصَّة تبسيط إجراءات العمَليَّة العلاجية؛ تزويده برقْم العيادات المختَصَّة بعلاج الإدمان، وتشجيع المدمِن على الذهاب لتلقِّي العلاج في العيادات الخاصة، ووضع خُطَّة علاجية متعدِّدة (نفسية، واجتماعية، ودينية، وتَوْعَوِيَّة، ودوائية)، وهذا الأمر يحتاج للصبر والقوة والعزيمة والدعم لتجاوز الإدمان والشفاء منه -بإذن الله-؛ مشيرة إلى أنه لا توجد طريقه تحد من انتشار المخدرات غير بالوعي وقيام كل جهة بواجبها تجاه الأبناء بداية من الأسرة واحتواء الأبناء والاهتمام بهم ومتابعتهم والتعرف على الأصدقاء، وجعلهم جزء من الأسرة للحدّ من خطرهم أن صدر منهم أي تجاوز -لا سمح الله-.
تعاون الجميع
ويشير الدكتور عزت عبدالعظيم استشاري الطب النفسي بمستشفى الحمادي بالرياض إن علاج الإدمان الناجح يتطلب تضافر الجهود من جانب الدولة متمثلة في وزارة الصحة لتجهيز مصحات متخصصة وكوادر مؤهلة لذلك الغرض مع تعاون المريض ونيته الصادقة في العلاج ومساعدة الأهل لفريق العلاج النفسي؛ لكن يبقي الأهم وهو كيفية الوقاية من الوقوع في فخ الإدمان.
ويؤكد استشاري الطب النفسي بمستشفى الحمادي أن الوقاية من خطر الإدمان يتطلب تعاون أطراف أخري كثيرة مع فريق العلاج النفسي سواء كانت جهات حكومية أو هيئات أهلية مثل الأجهزة الإعلامية والشرطة ورجال الدين وذلك لنشر الوعي الثقافي النفسي وأسلوب التربية السوية والعلاقات الاجتماعية والأسرية الصحيحة وفسح مجال للترفيه وممارسه الهوايات والرياضات المفيدة أمام الشباب مع تنمية الوعي والفهم تجاه إيجابية وفائدة العلاج النفسي قبل لجوء الشخص لأصدقاء السوء وأخذ المخدرات كوسيلة للعلاج وكذلك توضيح مدي شدة الأضرار السيئة لتعاطي هذه المخدرات وما تفعله من أذي عقلي وبدني وموت وخراب للبيوت وما إلى ذلك مع التذكير بغضب الله لعصيان أوامره سبحانه وتعالي وخسارة المدمن لدنياه وآخرته، وذلك من خلال عمل الندوات والمحاضرات والخطب والبرامج التوعوية بالمداس والجامعات والمساجد والإذاعة والتليفزيون والصحف والمجلات حتى يتيقن الناس عن قناعه أن ما سيخسره المدمن هو أضعافاً مضاعفة لما سيكسبه إن لم يكن سيخسر كل شيء من صحة ومال وأهل وأصدقاء وعمل حتى الآخرة فهو من الأخسرين.