يقاس تقدم الأمم بما توفره من جودة للخدمات التي يحتاج إليها المواطن، ويأتي التعليم من أهم هذه الخدمات؛ ولقد أولت حكومة المملكة العربية السعودية وقادتها منذ زمن الموحد الملك عبدالعزيز -يرحمه الله- وحتى وقتنا هذا في ظل حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الشاب أيقونة التقدم والازدهار والعمل الجاد الأمير محمد بن سلمان -يحفظهم الله- اهتماماً خاصاً للتعليم، بل خصصت له من الميزانية العامة للدولة المليارات على مدار سنين عدة، ورغم كل ما توفره الدولة وما يحاول القائمون على التعليم تقديمه للمجتمع التعليم إلا أن نظرة الرضا في عيون المواطن ما زالت غير كافية وتطمح إلى المزيد الذي يتناسب مع مكانة الدولة وعراقتها.
ومع صدور لائحة الوظائف التعليمية الجديدة وآلية تصنيفها للمعلمين، والتي أنصفت المعلم بعد العديد من الدراسات والأبحاث والاستقصاءات التي أظهرت عدم رضا المعلم عما يقدم له من مقابل نتيجة عمله في مجال التعليم، وأن هذا المقابل لا يساعده على تأدية عمله بالشكل الذي يحقق غايات الوظيفة، ويحقق أهداف وزارة التعليم بشكل خاص وأهداف الدولة في التعليم بشكل عام مقارنة بمن يعملون بوظائف أخرى في الدولة.
ولقد جاءت اللائحة ملبية لكثير من المطالب التي رفعها المعلمون للمسؤولين على مدار سنوات؛ وإن كان هناك عدم رضا من بعض العاملين في مجال التعليم على تصنيفهم أو مداخيلهم المادية وحتى ترقياتهم إلا أنها لبت احتياجات السواد الأعظم منهم؛ وعودة على ذي بدء أتساءل ماذا بعد اللائحة؟ فعلى مدار العشرات من السنين ووزارة التعليم -أيًا كان مسماها- تعمل جاهدة لتحقيق أهدافها وتطوير التعليم بما يتوافق مع المعايير العالمية المطبقة في كبريات الدول المتقدمة؛ فاستُحدثت العديد من المشروعات والمبادرات، وعقدت المئات من الاجتماعات والمناقشات وكذلك المؤتمرات، ورغم ذلك لم يلاحظ تغيير إيجابي واضح وملحوظ في مخرجات التعليم، ولم يؤتي أيٌّ منها ثمارها إلا على مستوى حالات فردية حققت أهدافها الشخصية وطموحها الذاتي بمجهودها ودعم من أسرها ومن معلميها، ويظل السؤال الأهم هو كيف نعكس هذه اللائحة على مخرجات التعليم؟
فالعملية التعليمية ليست مجرد معلم -وإن كان يمثل هو والطالب الجزء الأهم منها- فالمقرر الدراسي والبيئة الصفية والبيئة المدرسية والتقنيات وغيرها كلها عوامل مؤثرة في تحقيق أهداف التعلم وتجويد مخرجاته. وهنا نسأل هل عمل القائمون على اللائحة على تجويد باقي متغيرات التعليم لتتكامل معاً وتحقق الأهداف والغايات؟ أم أنه تم الاكتفاء بلائحة المعلم وكفى؟ فلو أن لائحة المعلمين كانت هي المعضلة الكبرى في عملية تطوير التعليم لكنا الآن في مقدمة الدول تعليمياً ولحصلنا على مراكز متقدمة في تصنيفات التعليم كافة التي تصدرها المؤسسات والهيئات العالمية.
إن تطوير التعليم بما يتفق مع أهداف الدولة ورؤيتها 2030 يحتاج إلى تطوير المنظومة كاملة، يحتاج إلى نسف المعيقات وليس علاجها ولا القضاء عليها بل نسفها نسفاً حتى لا تعود مرة أخرى عند تغيير القيادات، نحتاج إلى تبنى استراتيجيات محددة في التدريس على أرض الواقع وليس في التقارير ولا عبر المؤتمرات ووسائل الإعلام؛ إن وجود مبنى لمدرسة في منطقة صناعية أو بعيدة عن العمران أو مناطق ملوثة للبيئة هو أحد معيقات تحقيق الأهداف فالقياس للمخرجات كلي وليس جزئياً، فهذه المدارس حتى وإن جهزت بأحدث التقنيات ووفرت لها أحدث التقنيات وخصص لها أفضل المعلمين لن تحقق المخرجات المرجوة. أضف إلى ذلك تعدد الرؤى في المقررات الدراسية واتخاذ قرارات من شأنها زعزعة استقرار المجتمع المدرسي وقد لمسنا ذلك بوضوح مع وجود نظامين للتعليم في نفس الوقت هما النظام العادي ونظام المقررات وليس هذا فقط بل دخل منافس ثالث لهم هو النظام الفصلي الذي لم يستمر سوى لسنوات معدودة على اليد الواحدة بعد إنفاق الملايين عليه ليستقر الأمر على نظام المقررات، والله أعلم بما هو قادم.
إن تطوير التعليم يبدأ حين يخرج الطالب والمعلم من بيتهما متجهين إلى المدرسة وهما في حالة من السعادة والرضا عن الوجود كل هذه الفترة الزمنية وسط هذا الجمع من الطلاب والمعلمين والإداريين والقادة، إن تطوير التعليم يرتبط ببناء علاقة تواصل صحيحة بين أطراف العملية التعليمية دون تربص لطرف من الطرف الآخر، إن عملية تطوير التعليم ترتبط حين يجد أصحاب الاقتراحات سبيلهم إلى صاحب القرار دون أي عائق، إن تطوير التعليم يرتبط بالقضاء على الروتين الإداري ولا يعني استحداث العديد من الأنظمة الإلكترونية للتعامل مع المجتمع التعليمي أننا قد قضينا على الروتين فما زال القرار في يد ثلة ممن لا يملكون قراراً سوى التسويف والتأجيل.
إن صدور اللائحة لن يكون ولا ينبغي أن يكون هو الغاية، ولكن ينبغي أن يكون إحدى الأدوات التي تساعد متخذ القرار على التطوير وهو على علم أن الميدان على استعداد تام للتعاون للوصول إلى الأهداف المرجوة، فالمنظومة كاملة تحتاج أن تترابط كليًّا مع باقي عناصرها الأساسية والثانوية والاستفادة من الدعم غير المحدود من حكومة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد -حفظهم الله- حتى نحتل المكانة التي نستحقها في مجال التعليم.
** **
sherifelatrbi1967@yahoo.com