علي الأحمدي
تولى شؤون إمارة المدينة المنورة خلفاً لوالده عام 1379هـ وبقي في هذا المنصب حتى عام 1385هـ، وكان قبل ذلك نائباً لوالده في الإمارة لأكثر من 15 عاماً، بل كان يشغل إدارة هذه المهام لوحده في أغلب فترات تلك النيابة، خاصة عندما يتم استدعاء والده الشيخ / عبدالله بن سعد السديري، لمرافقة الملك المؤسس / عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ( طيّب الله ثراه ) في بعض الجولات الملكية أو للاستماع لتوجيهات (الملك المؤسس) ونصائحه الكريمة يرحمه الله.
***
نال الأمير/ عبدالرحمن بن عبدالله السديري، ثقة القيادة الرشيدة بتسنُمه هذه المسئولية وهو في مرحلة مُبكرة من عمره، في دلالة على كفاءته وحُسن إدارته وقوة شخصيته، فكان وبتوفيق من الله عند مستوى تلك الثقة، أخلص لدينه ولوطنه ولقيادته، وأدار تلك المهمة الصعبة في المرحلة المهمة بكل نجاح واقتدار.
***
ودعّت المدينة المنورة قبل أيام وفي الأيام العشرة الفضيلة الأولى من شهر ذي الحجة 1440هـ، واحداً من أبرز مسئوليها السابقين، الرجل الإنسان (عبدالرحمن بن عبدالله السديري) بعد حياة امتدت لـ 94 عاماً كانت حافلة بالتضحية والتميّز والعمل والإخلاص، وتمت الصلاة عليه في المسجد النبوي الشريف، وشيّعه إلى مثواه الأخير ببقيع الغرقد، أخوانه وأبناؤه وأقاربه وكبار الشخصيات والمسئولين والمحبين وجموع من المصلين.
***
لم توّدعه طيبة الطيبة فحسب، بل ودعه الوطن، لكوّنه من الرجال القدامى الذين خدموا الدولة مبكراً، وأخلصوا لقيادتهم ووطنهم، والوطن لا ينسى رجاله، فكان العزاء في رحيله من هرم القيادة (يحفظها الله) كوثيقة شكر وتقدير للرجال المخلصين، وتصدّر صاحب السمو الملكي الأمير / فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز، أمير منطقة المدينة المنورة، وسمو نائبه صاحب السمو الملكي الأمير / سعود بن خالد الفيصل - حفظهما الله - قائمة المعزين حضورياً في رحيله، فكان لهذه المواساة أثرها العميق في نفوس أبنائه وأسرته ومحبيه، بل أعطت تأكيداً على مدى عمق التلاحم والود بين القيادة وأبناء الوطن، تحت مظلة ديننا الحنيف، وشعارنا الوطني (المملكة العربية السعودية).
***
ارتبط الفقيد (يرحمه الله) ارتباطاً وثيقاً بالمدينة المنورة، أحبها وأحب أهلها، فبادلته وساكنيها بأعمق تفاصيل الود، يصعب حصر شمائله فقد كان سمحاً بشوشاً متواضعاً، يحترم الكبير ويقدر الصغير، ودائم الحضور للمنتديات والأمسيات والمناسبات الاجتماعية، وكان يحرص على تبادل الزيارات.
والالتقاء بالأقارب والأصدقاء، وتميّز بمساعدة وقضاء حوائج الناس أما بوجهه أو بشفاعته عند الآخرين.
***
كان يرحمه الله منظماً في حياته وجدوله اليومي، ينام بعد صلاة العشاء مباشرة، ويصحى قبل صلاة الفجر بساعة، ليس لديه وقت للفراغ، يشغل أوقاته بالعبادة والقراءة واستقبال زائريه في كل الأوقات، بل أن باب قصره يظل مفتوحاً على مدار الساعة، كما يباشر مهام أعماله بنفسه، ويقضي وقت الضحى في مزرعته على بعد 120 كم من المدينة المنورة، ويشاركه الكثير من زواره وموظفيه طعامي الغداء والعشاء بشكل يومي.
***
شرفني يرحمه الله بأن أكون واحداً من رواد مجلسه العامر، ومرافقاً له في بعض زياراته لكبار العلماء والأعيان ومشائخ القبائل، وحضور بعض المجالس التي يرتادها، وأبرزها منتدى اثنينة السيد خالد بن حمزة غوث، أحد أبرز أصدقائه المقربين إن لم يكن الأول فيهم - يحفظه الله -، ومنتدى أحدية الشيخ / إبراهيم عمر غلام - يرحمه الله -.
كان يعاملني معاملة خاصة جداً وغالباً ما يدعوني للجلوس بالقرب منه، معتبرني واحداً من أبنائه، وكنت سعيداً بهذه الأبوة وأعدّها وساماً رفيعاً، وسأبقى فخوراً بها مدى عمري ووفياً لمكانته وقدره وإنسانيته عبر الدعاء المتواصل له بإذن الله، والتواصل مع أبنائه ومحبيه.
***
ترك غيابه فراغاً كبيراً في حياة الكثير ممن أحبوه وعرفوه عن قرب، لكنه ترك أثراً ناصعاً وشعلة وضاءة وسيرة عطرة وإرثاً زاخراً من المواقف المشرفة والأعمال الجليلة، تأتي جميعها تعويضاً وتخفيفاً للألم الشديد من جراء فقدانه، كما خلّف ما شاء الله بذور صالحة من (أبناء وبنات) نحسبهم من الأخيار، رباهم فأحسن تربيتهم (ديناً وعلماً وأخلاقاً)، وهم - بإذن الله - على نهج والدهم سائرون.
***
اللهم أجبر كسر قلوبنا وقلوب أهله ومحبيه في رحيله، وألهم أخوانه (سعد وعبدالمحسن وتركي وأحمد) وأبناءه (خالد وسلطان ومنصور ومحمد وسلمان وعبدالله وعبدالعزيز وأحمد) وبناته وأهل بيته وأحفاده وأقاربه ومحبيه الصبر والسلوان، كما نسأل الله العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته وأن يسكنه فسيح جناته (جنة الفردوس) ونقول كما علّمنا رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: (إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا أبا خالد لمحزونون {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.