د. محمد بن إبراهيم الملحم
ما ذكرته في مقالتي السابقة عن أسس اختيار المدرسة الحكومية لأولادك ينطبق بالكامل على المدرسة الأهلية لكن سأتحدث هنا عن قيم مضافة Added Value يفترض أن توفرها المدرسة الأهلية نظراً لكونك تدفع المال مقابل الخدمة التعليمية المتميزة (أو هكذا يفترض) فالمدرسة الأهلية المتميزة عنوان التفوق لكثير من الطلاب الذين برزوا لاحقاً في الدراسة الجامعية، فهي تقدم مواد إثرائية منذ وقت مبكر كاللغات والحاسب وتطبيقاته (مثل الروبوت) والمهارات الاجتماعية اللازمة للنجاح في الحياة والعمل وفرص إثبات الذات كما أنها تضبط السلوك العام في المدرسة وتحافظ على سلامة وصحة الطالب النفسية والسيكواجتماعية والتدريس بحد ذاته مفعم بالنشاط والحيوية ويقدمه غالبا معلمون خبراء لديهم الكثير من الأدوات والوسائل والتقنيات والأفكار المتميزة لإيصال المعلومة وتمكين الطالب من المعرفة ومهاراتها، فلا تجد في المدرسة الأهلية «المتميزة» معلما مستجداً أو ضعيفاً علمياً أو تربوياً، ولا تجد مديراً مهملاً أو قاسياً صلفاً منفراً أو مرشداً طلابياً يمضي ثلاثة أرباع وقته في ما لا يخص الإرشاد، كما أن مبانيها نظيفة ومهيأة بكل تجهيزاتها الصحية والتعليمية والترويحية ليمضي فيها الطالب وقتاً ممتعاً وآمناً، ولا أقصد بذلك بالضرورة سمة «الرفاهية» بل حتى لو كانت غير باهضة الثمن أو ذات رفاهية لكنها دائما تضمن لك الحد الأدنى من الراحة والتناغم مع متطلبات العمل اليومي وسلامة الطالب والاستجابة لاحتياجاته فهي كافية ومحققة للهدف، وعندما أشير إلى هذه الجزئية فإن ذلك لأنها المطب الذي يقع فيه كثير من أولياء الأمور عندما يكتفي بالحكم على المدرسة الأهلية من توافر رفاهية المبنى بالمدرسة ليوافق أن يدفع رسوماً أعلى من غيرها لأنه «يفترض» أن من وفر كل هذا المستوى «الفخم» من التجهيز لن يعجز عن التدريس المتميز والانضباط والرعاية التعليمية التي يتوقعها لأبنائه، بيد أن هذا مع كونه «منطقي جداً» لكنه ليس متسقاً على الدوام في كثير من الحالات التي شهدناها مع الأسف، ويعود ذلك إلى وعي تاجر التعليم الأهلي (وأعتذر لاستخدام هذا التعبير لكنه حقيقة) لمدى عجز كثير من أولياء الأمور عن التقييم الحقيقي لمستوى المدرسة التعليمي (خاصة في ظل غياب مرجعية رسمية لهذا الأمر كما هو في الغرب كما شرحت لكم في مقالة سابقة) وبالتالي فإن المظهر الجاذب سيكون وسيلته للحصول على أكبر عدد من أولاء الأمور (الزبائن).
من واجب ولي الأمر أن «يسأل» عن المدرسة، فيسأل أولياء الأمور السابقين بشرط أن يكونوا ممن لديهم وعي تربوي وعين فاحصة على الدوام، كما يسأل المشرفين التربويين المتمكنين وذوي الخبرة وإن كنت أرى أن ولي الأمر المتابع سيكون مدركا أكثر لنقائص المدرسة (أو لتميزها)، وما يمكن السؤال عنه يتركز في حزم الإدارة وحسن الرعاية وجودة التدريس والمتابعة اليومية وجدية الاختبارات، والأخيرة مهمة جداً جداً لأن المدرسة الأهلية تمارس أحيانا خداع ولي الأمر بالنتائج العالية من خلال الاختبارات المبنية على أسئلة أوراق العمل والتي يكتفي الطالب بمذاكرتها، عدا التساهل في تطبيق الاختبارات وهذا معروف ومشهور اليوم، وبدون شك فإن الزيارة إلى المدرسة ستطمئنك على الجوانب الملموسة التي ذكرتها في مقالي السابق كالمختبرات والملاعب والمسرح الخ، بيد أن هناك جوانب إضافية تتميز بها المدرسة المهتمة بجودة التعليم مثل السبورات الذكية، شاشات العرض، المختبرات الذكية، قاعات الهوايات، معارض أنشطة الطلاب، صور الأنشطة، وسجلات الإنجاز والدروع أو الميداليات التي حصل عليها طلاب المدرسة (وليس التي حصلت عليها المدرسة) فكل هذه «مؤشرات» للاهتمام بالتميز التعليمي، وإذا اطمأن ولي الأمر للاعتبارات الأساسية لجودة المدرسة كما تقدم فقد تظهر أمامه عدة مدارس أهلية كلها متميزة، وكثيرون هنا يختارون الأقرب، ومع أني أؤيد هذا التوجه خاصة للمسافات البعيدة جدا بيد أني هناك بعد مهم قد نهمل المسافة لأجله وهو تناغم أنشطة المدرسة مع توجهات الطالب، فبعض الطلاب يكون لديه مهارات وهوايات ناشئة وتحتاج إلى دعم ورعاية، وهذه قد لاتتوفر إلا في المدرسة الأبعد بشكل متميز جدا عن تلك الأقرب، وهنا يكون أنفع للطالب أن يلتحق بتلك المدرسة ليحقق ذاته، وتشتد هذه الحاجة في الصفوف من الخامس الابتدائي حتى الأول الثانوي على اختلاف حدتها وبدء ظهورها لدى الطالب من فرد لآخر، بل تتميز بعض المدارس أحيانا بمعلمين متميزين في مواد معينة قد يكون الطالب عاشقا لها كاللغة الإنجليزية مثلا أو الحاسب الآلي أو العلوم والرياضيات وهي مواد تحتاج إلى صقل وممارسة وتمارين (أو تجارب) وأنواع مختلفة من التحدي المعرفي الذي قد لا يجده الطالب في مدرسة نمطية وإن كانت متميزة تدريسيا في الحد الأدنى منه، مثل هؤلاء الطلاب إذا وجدوا هذه البيئة من المعلمين المتقنين والمشجعين لقدراتهم المعرفية الطموحة يتألون ويبدعون، والحق يقال إن مثل هذه المعلومات عن المعلمين لا تتوفر بسهولة ولكن نتائجها الرائعة تستحق البحث والتمحيص، وربما يأخذني هذا إلى تنبيه مهم وهو أن كل ما نقوله عن إنتاجية المدرسة الأهلية «المتميزة» يكون أحيانا مرهونا أيضا بتوافر قدرة تعليمية لدى الوالدين في رعاية الأبناء في المنزل سواء أكاديمياً (في الدراسة) أو في الأنشطة والهوايات. بعض أولياء الأمور يظن أن توفير «أفضل» مدرسة مهما كانت مكلفة مالياً كاف لتميز أبنائه دون متابعتهم منزلياً، لكنها معادلة غير صائبة في كثير من الأحيان. والحديث يطول، لكن كل عام وأنتم بخير بمناسبة عيد الأضحى المبارك.