د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** لم يهدف محمود محمد شاكر 1909 - 1997م من انتقاده طه حسين 1889 - 1973م إلى الصعود على كتفيه ليُلتفت إليه بل دفع ثمنَها مستقبله الدراسي فتوقف في أول سني الجامعة ولم يضرْه فصار أستاذ الأساتيذ لأن هجيراه الحق، وبحث ناصر الدين الأسد 1922 - 2015م في «مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية» ولم يعنِه أن يغضب «العميد» عليه فقد سلك درب الباحثين فأصبح عَلمًا عِلمًا وخُلقًا، واعترف غيرهما أنهم أرادوا الظهور فسلكوا أيسر الدروب قفزًا كي يصبحوا «نجومًا على الأرض» - وهذا بالمناسبة عنوان كتاب قديم عن بعض المشاهير بعُد العهدُ به ولعله ليوسف جوهر - فانطفأُوا ولم يُطفئوا.
** نماذجهم كثيرة، ويُروى منسوبًا إلى الإمام الذهبي في «سير أعلام النبلاء» أن أحد الفقهاء يدعى «ابن القفطي» - وهو غير القاضي المؤرخ القفطي الذي عاش في القرنين السادس والسابع الهجريين - أهمَّه أن يذكره الخطيب البغدادي 392 - 463 هـ في كتابه «تاريخ بغداد» فسأل عن موقعه في الكتاب؛ أمع الثقات أم الضعاف؟ فأُجيب: إنه لم يذكرك فيهم، قال: ليته وضعني ولو في الكذابين، «وكأنه ينطق بلسان حال مشاهير الوسائط اليوم»! ويستعيد صاحبكم صديقًا في المرحلة الثانوية طاول أحد كبارنا وأغلظ له لأنه « اشتهى» تمايزًا يُدلُّ به فكتب مقالين خالف فيهما ذلك الأديب حول اسم أحد العلماء التراثيين مستندًا إلى كتاب متداول بين العوام وأشباههم، واتسع صدر الكبير للصغير الذي نُسي كما يُنسى المدَّعُون.
** وفي المقابل آخرُون توهمُوا أنهم قد يهدمون رمزًا ذائعًا أو نظرية مستقرة كي يبلغوا الذرى، ولأن العاقل يُداري ويعي إمكاناته فيواري فقد وعينا في الأثر الكريم أن الشهيد قد لا يُقبل عملُه لأنه اختار أن يوسم بالجرأة، ومعه من طلب العلم ليقال عالم، وكذا من أنفق ماله ليوصف بالجود، وحين حلَّ الزمن الرقمي تساوى الغارب بالسنام وتعادل الهادي مع الهاذي، وهيأت التقنية لمن شاء ملابسَ فوق مقاساته.
** وفي نهج من يسمون أنفسهم «قرآنيين»، وحاشا القرآن العظيم منهم، يتصدى ثلة فيهم لمهاجمة رموز لا تعني الخاصة وليثيروا غبارًا يتجاوز مسار الباحثين إلى مدار العامة، ويتبادل الناس بكثرة كتابًا عنوانه: «صحيح البخاري: نهاية أسطورة»؛ حيث يَعدُّ مؤلفُه «رشيد أيلال» الإمام البخاري أسطورة انتهت، ويشكك ناشرُه «عبد النبي الشراط» في وجوده، مثلما يشكك سواهما في موثوقية أبي هريرة رضي الله عنه بقصد تهميش السنة الشريفة، وهي اعتقاداتٌ أو مطامعُ ستُوهي أربابها ولن تنتقص من السُّنّة ولا المفترى عليهم، وقد أثبتت دراسة موجزة للدكتور محمد عبده يماني 1940 - 2010م أن ما انفرد به أبو هريرة - مما رُوي له في كتب الصحاح الستة - لا يتجاوزُ - بعد حذف المتكرر والمتفق مع الرواة الآخرين - عشرةَ أحاديث فقط، و»اثنين وأربعين» في الكتب التسعة.
** الشهرةُ وباءٌ ووبال.