د. عيد بن مسعود الجهني
استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي مبدأ مهم أكدت عليه الأحكام الصادرة عن هيئات التحكيم الدولية، فكثير من تلك الأحكام اعتبرته من مبادئ التحكيم في التجارة الدولية دون الحاجة إلى الاستناد إلى قانون وطني لتبرير المبدأ.
فطبقاً لنص نظام غرفة التجارة الدولية بباريس (المادة 2 فقرة 2 و4) فإن أي نزاع حول وجود اتفاق التحكيم أو صحته يطرح ابتداء على الهيئة الدائمة في الغرفة وهي محكمة التحكيم (Thecourt of Arbitration)، فإذا اتضح لهذه الهيئة عدم وجود اتفاق تحكيم أو أنه ظاهر البطلان فإنها تستبعد طلب التحكيم، أما عدا تلك الحالات فإن إجراءات التحكيم تستمر، كما أن ذلك النظام قد قرر امتداد سلطة المحكم للنظر في أي ادعاء يثار أمامه حول انعدام العقد الأصلي أو بطلانه ومدى تأثير ذلك على اتفاق التحكيم ذاته وكافة الآثار المترتبة على ثبوت أي من تلك الادعاءات.
كما نص نظام المصالحة والتحكيم الجديد لغرفة التجارة الدولية المادة (8) على أنه : (إذا اتفق الطرفان على اللجوء إلى تحكيم غرفة التجارة الدولية، فإنهما يقبلان بذلك الخضوع لهذا النظام، وإذا رفض أحد الطرفين المشاركة في التحكيم أو امتنع عن ذلك، رغم رفضه أو امتناعه).
وجدير بالتنويه أن لائحة التحكيم التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 28 أبريل 1976م التي أعدتها لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري قد نصت في مادتها (21 فقرة 1 و2) على أن : (تفصل هيئة التحكيم في الدفوع المثارة بشأن عدم اختصاصها، بما في ذلك كل دفع يتعلق بوجود وصحة شرط التحكيم أو اتفاق التحكيم المستقل) ونصت اللائحة على أن : (لهيئة التحكيم الاختصاص بالفصل في وجود وصحة العقد الأصلي الذي يعد شرط التحكيم جزءا منه).
كما تبنت لائحة التحكيم الصادرة عام 1985 عن غرفة لندن للتحكيم الدولي في المادة (4) فقرة (1) ما جاءت به المادة 21 / 2 من اللائحة التي أعدتها لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي.
ونظام التحكيم السعودي القديم لم يرد في إحدى مواده الـ (25) ما يؤكد على استقلالية شرط التحكيم، وهذا ما تلافاه النظام الجديد الذي أشار إلى استقلال شرط التحكيم عن بقية نصوص العقد مادام أن الشرط جاء صحيحا في ذاته، وهذا ما أكده النظام الجديد حيث نص في المادة (21) على (يعد شرط التحكيم الوارد في العقود اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الأخرى ولا يترتب على بطلان العقد الذي يتضمن شرط التحكيم أو نسخه أو إنهائه بطلان شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحا في ذاته).
ونجد نصوصاً مشابهة لهذا النص الذي ورد في نظام التحكيم السعودي الجديد في قوانين تحكيم أخرى، منها قانون التحكيم العماني رقم 97 / 47 حيث نص في المادة (10) منه على أنه (يجوز أن يقع اتفاق التحكيم في شكل شرط تحكيم سابق على قيام النزاع يرد في عقد معين، أو في شكل اتفاق منفصل يبرم بعد قيام النزاع).
أما نظام التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية لسنة 1998 فقد نص في المادة (6) فقرة (4) على استقلال شرط التحكيم عن العقد، والقانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي لعام 1985، جاء نصه في المادة (16) فقرة (1) كما يلي (ينظر إلى شرط التحكيم الذي يشكل جزءا من العقد كما لو كان اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الأخرى وأي قرار يصدر من هيئة التحكيم ببطلان العقد لا يترتب عليه بحكم القانون بطلان شرط التحكيم.
والحقيقة أن سلطة المحكم لا تمتد إلا إلى موضوعات هي بحسب تكييفها القانوني ذات طبيعة تجارية أو مدنية، وعلى ذلك فلا يستطيع المحكم أن يفرض غرامة لمصلحة الدولة أو يستصدر أحكاما جنائية، لأن هذا الحكم يخرج عن نطاق اختصاصه ولا يملك أن يصدر أحكاما في مثل هذه الموضوعات إلا القاضي.
كذلك لا يملك المحكم الفصل فيما قد يثور بين المحتكمين حول التحكيم ذاته سواء تعلق هذا الخلاف بشروط التحكيم أو بسلطة المحكم واختصاصه ومدى سلطته، فعلى المحكم ألا يتعرض لهذا الخلاف الذي يختص به القضاء، ذلك أن المحكم لا يملك إلا الفصل في الموضوع محل النزاع فقط - وإذا صدر حكم في غير ما كلف به فلا يعتد به.
ويجب على المحكم أن يقوم بالمهمة التي كلف بها في الميعاد المقرر لها، فلا يمكنه تجاوزه، ولا يجوز له أن يمتنع عن الحكم بدون أي عذر مقبول - وإذا صدر منه خطأ أو إهمال ترتب عليه بطلان حكمه، كما يحظر عليه أن يتسبب في إطالة أمد النزاع وإضاعة وقت ذي الشأن، بغير طائل، كما يجب عليه مراعاة تمكين كل محتكم من تقديم ملاحظاته ودفاعه ودفوعه شفاهة أو كتابة بالقدر المناسب وفي المواعيد التي يحددها.
على أنه إذا تجاوز المحكم أو المحكمون الميعاد الذي يجب أن يصدر فيه الحكم ولم يعترض أحد من الخصوم على ذلك سواء كان ذلك صراحة أو ضمنا واستمر ذلك إلى أن صدر الحكم وقبله أطراف النزاع، فإن الحكم يكون صحيحا، إذ إن هذا الميعاد المحدد ليس من النظام العام مما يترتب عليه البطلان، فالأصل أن إرادة أطراف النزاع هي الأساس في التحكيم ومن ثم فإن عدم الاعتراض على التأخر في إصدار الحكم ليس له أي أثر على الحكم بعد صدوره وقبوله.
فالاتفاق على التحكيم نابع أصلا من توافق إرادة الطرفين في اللجوء إلى التحكيم فيما شجر بينهما وأنهما قد يتفقان على أن يختارا محكما واحدا أو أن يختار كل طرف محكما ثم يختار المحكمان المحكم الثالث، على أنه إذا تعدد الخصوم واختار كل محكمه، وجب أن يكون العدد وترا، وقد نص نظام التحكيم الجديد في مادته الـ (15) فقرة (1) على أنه لطرفي التحكيم الاتفاق على اختيار المحكمين، وإذا لم يتفقا طبقا لنص هذه المادة اتبع ما يأتي طبقا لنص المادة (15) من نظام التحكيم الجديد :
أ - إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من محكم واحد تولت المحكمة المختصة اختياره.
ب - إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من ثلاثة محكمين اختار كل طرف محكما عنه، ثم يتفق المحكمان على اختيار المحكم الثالث، فإذا لم يعين أحد الطرفين محكمه خلال خمسة عشر يوما التالية لتسلمه طلبا بذلك من الطرف الآخر، أو إذا لم يتفق المحكمان المعينان على اختيار المحكم الثالث خلال خمسة عشر يوما التالية لتاريخ تعيين آخرهما تولت المحكمة المختصة اختياره بناء على طلب من يهمه التعجيل، وذلك خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تقديم الطلب، ويكون للمحكم الذي اختاره المحكمان المعينان، أو الذي اختارته المحكمة المختصة رئاسة هيئة التحكيم، وتسري هذه الأحكام في حالة تشكيل هيئة التحكيم من أكثر من ثلاثة محكمين.
2 - إذا لم يتفق طرفا التحكيم على إجراءات اختيار المحكمين، أو خالفها أحد الطرفين، أو لم يتفق المحكمان المعينان على أمر مما يلزم اتفاقهما عليه، أو إذا تخلف الغير عن أداء ما عُهد به إليه في هذا الشأن، تولت المحكمة المختصة - بناء على طلب من يهمه التعجيل - القيام بالإجراءات أو بالعمل المطلوب، ما لم ينص في الاتفاق على كيفية أخرى لإتمام هذا الإجراء أو العمل.
3 - تراعي المحكمة المختصة في المحكم الذي تختاره الشروط التي نص عليها اتفاق الطرفين، وتلك الشروط التي يتطلبها هذا النظام، وتصدر قرارها باختيار المحكم خلال ثلاثين يوما من تاريخ تقديم الطلب.
4 - مع عدم الإخلال بأحكام المادتين (التاسعة والأربعين) و(الخمسين) من هذا النظام يكون قرار المحكمة المختصة بتعيين المحكم وفقا للفقرتين (1 و2) من هذه المادة غير قابل للطعن فيه استقلالا بأي طريق من طرق الطعن، وللأطراف حرية تحديد القانون الذي يجب على المحكمين تطبيقه على موضوع النزاع وفي حالة عدم تعيين الأطراف للقانون الواجب التطبيق سواء في العقد أو في مشارطة التحكيم يطبق المحكم أو المحكمون القانون الذي تحدده قواعد تنازع القوانين التي يرونها مناسبة سواء كان قانون مكان إبرام العقد أو قانون مكان تنفيذه أو قانون المكان الذي يجب تنفيذه فيه أو قانون آخر وذلك مع مراعاة شروط العقد وقواعد أعراف التجارة الدولية.
والله ولي التوفيق