م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. الطبيعة ذاتها هي أحد أكبر معيقات الحرية للإنسان.. فالجاذبية تحرمه حرية الطيران، والمناخ يعيقه أو يجبره على أنواع محددة من اللباس، والفيروسات تسبب له المرض.. وهكذا.. أي أن الحرية في هذه الحالة أصبحت معنىً من معاني القدرة.. بمعنى أنه لا حرية دون قدرة.. فإن فقدت قدرتك على شيء ما فقدت حريتك في اقترافه.
2. نحن اليوم مثلاً لسنا أحراراً في السفر عبر الزمن، أو الوصول إلى المريخ، أو القضاء على كل الأمراض، لأننا لسنا قادرين.. لكننا أحرار في المحاولة والتفكير في الموضوع والسعي إلى تحقيقه.
3. هل كان إنسان الغاب حراً أكثر من إنسان اليوم أم أقل؟ إنسان الغاب كانت قدرته أقل في مقاومة ظروف الطبيعة بعكس إنسان اليوم.. لذلك فمن المنطقي القول إن إنسان اليوم أكثر حرية.. لكن إنسان الغاب خفت عليه وطأة المجتمع القديم وتقاليده.. كما لم يكن هناك وجود لأنظمة الربط والضبط مع ظروف حياة كانت تستدعي القليل مما يحتم توافره اليوم.. مما يجعل من المنطقي أيضاً القول إن إنسان الغاب كان أوسع حرية من إنسان العصر الحديث.
4. وإذا قلنا إن حدود الحرية هي حدود القدرة فإن إنسان الغاب أكثر حرية بينما إنسان العصر الحديث أكثر قدرة.. فالأول ليست لديه عادات وتقاليد مجتمعية وأنظمة حكومية لذلك فهو أكثر حرية لكنه أقل قدرة على مواجهة الطبيعة.. بينما الإنسان المعاصر أكثر قدرة على مواجهة الظروف الطبيعية لكنه أقل حرية لمواجهة الأنظمة.
5. من الثابت أن لكل عصر فلسفته.. وهي الفلسفة التي تفرضها توجهات الأمم التي تسود ذلك العصر.. وفلسفة هذا العصر تقوم على احترام حقوق الفرد وحياته وحريته في القول والعمل واعتبارها أولويات مطلقة وقيماً عليا.
6. وفي السؤال عمّن يحدد السلوكيات النموذجية التي تحقق الحرية للفرد دون الإضرار بالمصلحة العامة للمجتمع.. حسم الغرب الإجابة عن هذا السؤال وقرّروا أن الفرد ذاته هو الذي يجب أن يحدد ويختار لنفسه من السلوكيات ما يرى أنها تحقق حريته.. وإذا علمنا أن لكل فرد قيمه ومفاهيمه ومصلحته وأجندته الخاصة التي قد تتباين تبايناً شديداً فكيف سيتم إذن حفظ حق ومصلحة المجتمع؟ وكيف يتم الاتفاق في الأمور التي تمس المجتمع بكامل مكوناته؟ هنا أرسى الغرب قاعدة التصويت لترجيح رأي على آخر بالأغلبية.