د. محمد عبدالله العوين
كنت البارحة في ساعات فراغ في عطلة العيد أقلِّب ألبومات الصور الورقية التي أحتفظ منها بمئات ملأت ثلاث حقائب متوسطة الحجم، كل ألبوم يتبعه آخر توثيقاً لرحلة أو اجتماع أصدقاء أو مناسبة عائلية أو جولة حرة في مدينة أو قرية أحبها أو زيارة للأماكن المقدسة أو لقاء مودة ومحبة مع أساتذتي أو طلابي، وهكذا تدافعت واجتمعت واحداً بعد الآخر على مدى ما يقرب من نصف قرن، الله المستعان، والله ما كنت أعلم أن كل هذا الزمن الطويل مرَّ (نصف قرن) على أول صورة التقطتها بكاميرتي غير الملونة عام 1389هـ في مدينتي الصغيرة آنذاك - حوطة بني تميم - لقد توقف إمداد الحقائب بالصور الورقية فلم يدخلها ألبوم جديد بسبب غزو التقنية الإلكترونية، فتبدل الورق إلى فلاش ميموري USB وأصبحت هذه الفلاشات ذاكرتنا بديلاً للورق، بيد أن متعتي في استعراض الصور الورقية لا حد لها؛ إذ تحتفظ بحسها التاريخي، ثم إن لدي ثقة مطلقة بأنني سأجدها متى شئت على خلاف الميموري الذي قد لا يعمل لتلفه، وقد خسرت لقطات كثيرة بسبب تلف USB أو CD وحدثت حالات فقدان لواحد من الفلاشات الأثيرة لدي بسبب صغر حجمها.
وطرأ علي أن أقارن من حيث الكثافة والعدد بين ألبومات الورق والفلاشات فوجدت أن حصيلتي من تصوير الورق أكثر بكثير مما أحتفظ به من فلاشات، وذلك عائد إلى تكاسلي في نقل الصور من الجوال أو من الكاميرا وجمعها في ملفات ثم نقلها إلى فلاشات، وقد أمسح خطأ أو استعجالاً أو امتلاء لذاكرة الجوال قبل أن أنقلها إلى ملفات، وهكذا فقدت الكثير؛ إما لضيق الوقت أو لتغليب ما هو آني وعاجل من الواجبات على ما هو قابل للتأجيل.
لقد كانت متعة حمل الكاميرا وتجهيزها بأدواتها اللازمة؛ كالبطارية الخاصة التي لا تتوافر إلا في محلات متخصصة بالتصوير في الغالب؛ بسبب أن أحجام بطاريات الكاميرات لها مقاسات محددة لا تصلح لغير الكاميرات، وكالأفلام التي تركب على بكرة الكاميرا بطريقة خاصة، وكنت أشتري منها في كل رحلة خمسة أو ستة أفلام خوفاً من أن ينقصني منها شيء ثم لا أجد سوقاً قريبة في أية مدينة أزورها.
ولا تسأل عن الحرص البالغ على وضع الأفلام بعد امتلائها في صندوق الأمانات في كل فندق أسكنه بجانب الجواز والدولارات أو اليوروات، فهي تعادل من حيث الأهمية خطورة فقدان الأخضر الجميل لا سمح الله.
أما النشوة التي لا مثيل لها؛ فهي في ساعات الانتظار حتى تخرج من معمل التحميض، وليس أشد علي من قسوة صاحب الإستديو حين يمد في الوقت إلى الغد.
أما بعد الاستلام فحفلة!
حفلة مشاهدة الصور محفوفة بالشاي المنعنع والمكسَّرات وباقة من الحلويات المشكَّلة وسلسلة طويلة من التعليقات والضحكات والمديح المفرط للقطة أو السخط والغضب من عدم التوفيق في رصد لحظة نادرة ممتازة.
عيب الورق الوحيد أنك لست الوحيد الذي رأيته؛ أما الميموري فلا يراه إلا أنت.