د. محمد عبدالله الخازم
الجوائز الثقافية لها أهداف ورسائل تتجاوز حفلات التتويج، وعندما تكون إقليمية أو عالمية يأتي العبء أكبر في تقنينها واختياراتها المختلفة. ويحدث ألا يدرك القائمون عليها الأبعاد الثقافية والسياسية والفكرية، فيأتي من يحكمها وهو مسكون بهواجسه الشخصية والايدلوجية والوطنية وليس بمعايير واعية مدركة لمختلف الأبعاد. آخر جوائزنا المرموقة اسمًا وهدفًا، هي جائزة عكاط للشعر التي يفترض فيها أن تكون:
1. حيادية في النظر لجميع الجنسيات العربية وهمها الشعر والشعر فقط.
2. مدركة للفروقات الثقافية والمعرفية بين الدول والمجتمعات العربية.
3. بعيدة عن التوجيه وتصنيف الشعراء وفق مرجعياتهم السياسية والوطنية.
4. بعيدة عن أدلجة الجائزة والنظر لها من مفهوم ايدلوجية واحدة.
مثل ذلك يمنحها، كجائزة للشعر العربي، التقدير والاحترام لدى كافة من يتحدثون العربية ويمنح بلادنا ثقة المثقف العربي بصفة عامة ويتوج مثقفينا كخبراء في تقدير الشعر ومعرفة أعماقه بعيدًا عن أية مؤثرات خارج سياق الشعر. اختارت لجان الجائزة عشرة مرشحين للتنافس النهائي، ولا أدري من أشار إلى لجنة التحكيم بأن ثلث القائمة يجب أن تكون سعودية؟ وإن كان ولا بد من منح السعودي جائزة فلم لا يكون هناك جائزة خاصة بهم؟ من أشار لهم بأن الشعر يجب أن يكون محتشمًا وغير مسيس ولا يطالب برسائل وجودية وإنسانية وغيرها؟ أليس ذلك مثل من يطالب بمسابقة غنائية بدون آلة العود وبدون كلمات حب وبدون نداءات لوقف الحرب...الخ؟
بالتأكيد لست متخصصًا أو دارسًا للشعر وإنما أتبع ذائقتي المتواضعة، مقارنة بالأساتذة النقاد والخبراء، رغم ذلك فوجئت بالاختيارات. وجدتهم يختارون شاعرًا محليًا، أغلب شعره مجرد وجدانيات فردية مموسقة وليس يحمل أية قضية وجودية أو وطنية أو إنسانية كبرى ولا يحمل التنوع اللغوي والثقافي الذي يضاهي ما لدى شعراء أبعدوا عن المنافسة. بالمناسبة هذا النوع من الشعر جميل استخدمه في رسائلي العاطفية لكنني لا أمنح قائله جائزة أفضل شاعر عربي.
ربما آلية تحكيم الجائزة بحد ذاتها قاصرة، فالجائزة بحجمها الكبير ومسماها الفخم تحولت من جائزة أفضل شاعر إلى جائزة القصيدة الواحدة وهذا ظلم للشاعر وللمحكم والحال هكذا كان يفترض تسميتها جائزة القصيدة الأجمل وليس جائزة أفضل الشعراء أو شاعر عكاظ. الشعر والمنتج الثقافي لا يحكم من مقالة أو قصيدة أو مقطوعة بل من خلال استيعاب المفهوم التراكمي والتأثير المعرفي والثقافي الذي يقدمه الشاعر، والجوائز المعتبرة لا تنساق خلف الموضات الإعلامية التسويقية في تكريم الثقافة والأدب، ولا تحكم من خلال انطباعات لحظية للمحكمين، تتأثر بالإلقاء وعوامله المختلفة، وبعوامل أخرى. ربما هناك عوائق لوجستية أخرى متعلقة بحضور الشعراء ومنحهم تصاريح الدخول والمشاركة المطلوبة وهذا خلل تنظيمي كان يجب شرحه للمسؤولين لعلهم يسهمون في تذليل العقبات النظامية والإدارية.
لعلني مبالغ في قلقي من تحول جائزة عكاظ للشعر من عربية مفتوحة للجميع إلى محلية يدعى لها الحبايب من الوطن العربي، فأرجو من القائمين عليها شرح معايير الاختيار والتقييم ونشر الأسماء المتنافسة وقصائدهم، فربما نفهم حينها مقومات اختيارهم لجائزة أفضل القصائد وليس أفضل الشعراء!