علي الخزيم
تواترت دعابات بعض الأقارب والأصدقاء، يمازحونني تعليقًا على مقال لي سابق، نُشر بُعَيد عيد الفطر المبارك الفائت بعنوان (حتى الضباع تبتسم لك بالعيد). ويظهر لي مما أستقيه من هذه الدعابات وتلميحات وإشارات بعض المقربين أنني لن أحظى بالاستقبال المعهود بثلاثة مجالس للمعايدة فأكثر خلال العيد المقبل - بإذن الله -. وكلما التقيت مزيدًا ممن قرأ المقال المشار إليه تزداد نسبة مواجهتي بهذا الإجراء؛ وذلك لتوهمهم حول توجُّه المقال بزعم أن المقصود هو هذا المجلس أو ذاك، وكلٌّ يفسر جُمل المقال وكلماته بأنها إسقاطات وتلميحات، يُقصد بها مجلسهم؛ وهو ما يعني بنظرهم أني أشير (بطرحي ونظرتي المتخيلة) إلى جمعهم المبارك، ومجلس عيدهم العامر. وهي - بلا شك - قراءات عجيبة، تنسحب على كل مقال يكتبه كاتب، أو تدوينة يدونها مدون، أو تغريدة تمرّ بين ملايين التغريدات.. فالتفسيرات تأتي (أحيانًا) مستعجلة، وكلٌّ يظن أنه المقصود.
مَن أنا أيها الأحباب حتى تحمِّلوا أنفسكم عناء التخطيط (ولو مزاحًا) باستقبالي المرات القادمة بأقل حفاوة حين قدومي لدخول مجلس عيدكم - أدامه الله شامخًا -؟! فما أنا إلا رجل أعزكم وقدَّركم وأحبَّكم لدرجة أنه تكلف المجيء ليعايدكم، ويدعو لكم بالبركة والسعادة والقبول عند رب العباد، فقد تعودت مما تربيت عليه من والدي أن أبادر صباح كل عيد وأمُرّ معايدًا مجالس الأقارب والأحباب وبعض الأصدقاء بقدر الإمكان، وأتعمد اصطحاب أنجالي لتعويدهم صلة الرحم ومكارم الأخلاق، وصيانة أواصر القرابة. وتشمل جولة المعايدة أكثر من مجلس، تنيرها ابتسامات تلك الوجوه المسفرة، وتعطرها مشاعر أفئدة، طهرتها ليلة القدر الشريفة، حتى يستقر بي المطاف بمجلس المعايدة الخاص بالأسرة الأقرب؛ وهو ما يعني أن محتوى المقال لا يمكن أن يكون موجهًا لهذا المجلس أو ذاك.
حينما يسير القلم ليكتب ما يخطر بذهن الكاتب فإن (الشخصنة) - كما يقال - لا مجال لها حينئذ؛ إنما هي خواطر، يحلو للكاتب أن ينقلها لمن يريد أن يقرأ بتجرد ونقاوة ضمير؛ فالتخيل المذكور والتصورات الواردة عبر تلك الأسطر يجدها الإنسان ويلاحظها بأي مجلس؛ ذلكم أن الدواوين والصالونات والمجالس يؤمُّها أناس بفروقات فردية؛ فالله يُنعم على بعض عباده بعالي الشيم والقيم، وباسق الهمم، وتجد آخرين دون ذلك، لكنهم من المحيطين والأقارب، بل إن من الناس - وإن قربوا - مَن ابتلاهم الله بأخلاق وطباع غير محببة للجميع، ومع ذلك فهم يخالطون الغير بمجالسهم، ويحضرون مناسباتهم، فهل ننكر بعض نواياهم واستغلالهم للطف الآخرين، ولاسيما بتلك الأجواء الروحانية والأعياد السعيدة، ومدى الإيثار الذي يعتري أصحاب القلوب البيضاء؛ ليستغلها أصحاب الضمائر المتلونة؟ هي حقائق فلِمَ الشكوك؟!
يقول القاضي الجرجاني:
أرى الناسَ مَن داناهم هان عندهم
ومن أكرمته عزة النفس أكرِما
وللأخطل الصغير:
نفس الكريم على الخصاصـة والأذى
هي في الفضاء مع النسـور تحلـق
وعن العيد قال الشاعر محمد الأسمر:
هذا هو العيد فلتصف النفوس به
وبذلك الخير فيه خير ما صنعا
وبددوا عن ذوي القربى شجونهم
دعا الإله لهذا والرسول معا