عبده الأسمري
أورد القرآن الكريم عديدًا من العلوم والمعلومات بعناوين فريدة ليضع الخطاب الإلهي برزخًا وحجابًا بين الفهم الإنساني والحكمة الربانية التي تقتضي أن يكون الإنسان عنصر «التعلم» الأول ومؤشر «التغير» الأمثل.
وحينما وردت النفس في دستورنا العظيم جاءت مفصلة وواضحة ومتعددة الهيئات في نفس أمارة بالسوء ولوامة ومطمئنة.. مع عشرات الآيات المفصلة لهذه النفس العجيبة التي تتراقص عند حيثيات «الأماني» وتسقط في تداعيات الظروف وتفشل في ويلات المصاعب. لتتوه بين منطلق الذات التي ترضخها للصبر والشكر أو التنكر واليأس فتضع صاحبها في قطبية من «النجاة» أو «الفشل».
تبقى الجوانب المخفية من الإنتاجات العلمية في مسارات «الغيب» وفي مدارات «الخفاء» وبين دروب «الإعجاز» ووسط مسارب «التعجب» حتى تخض لموازين «التدبر» ومعايير «التفكر» ومن ثم إخضاعها لمقاييس البحث والنقاش والتدقيق ومتى ما «استماتت» الأنفس في استخراج لألىء العلم ودرر المعرفة فإنها حتمًا ستجني ثمارها لتكون نقلة في عالم البشر وإضافة عظيمة لتاريخ الحياة.
أمر شرعنا القويم بالبحث في كل العلوم والبحث ومن سلك طريقًا يبتغي به علمًا سهل الله به طريقًا إلى الجنة.
تبقى النتائج العلمية والاختراعات المعرفية في حيز «الغيب» ولكن لدينا من المعطيات ما يجعلنا نبحث ونتعمق في أدوات العلوم ومؤشراتها.
تظل «النظريات» نتاج «التنافس» التي تعكس روح البحث وبوصلته نحو مقامات «التفاعل» الإنساني ومكملات «التكامل» البشري .
نجح العلماء المسلمون الأوائل الذين استخرجوا من «العدم» نظريات في الفيزياء والرياضيات والكيمياء والأحياء والطب والفلك رغمًا عن «ندرة» الإمكانات و»تواضع» القدرات لأن أنفسهم كانت «غنية» بالدافعية وعقولهم «بذخة» بالإنتاجية.
فعلى سبيل المثال لم نر بحثًا عن «الروح» أو منهجًا يسبر أغوارها في ظل تفسيرات على استحياء لهذا الجزء البشري العظيم فيما أن هذا الجزء العجيب المهيب يستحق الاستقصاء كونه يربط عمق «الإنسان» بأفق الملكوت ويرتبط ما بين «فهم» الذات المحدود وحكمة «الكون» العظيمة.
ينظر البعض إلى الفلسفة كمفهوم «تخيلي» متجاهلاً أنه علم «تحليلي» يقتضي البحث عن أدق التفاصيل العلمية ومناقشتها وإخضاعها للتحليل وإرغامها للتفسير لتسمو إلى نتائج تخدم البشرية في كل النواحي.
لذا غابت عنا الفلسفة بسبب «محاذير» و«مخاوف» صنعتها «نظرة متطرفة» إلى هذا «العلم المغيب» وأوجدتها «رؤية متشددة» نحو هذا «الأصل العلمي».
إذا بقت إنجازاتنا في العلوم مقتصرة على براءات اختراع وعمليات جراحية تتم لأول مرة فهي أمر مميز ولكن هنالك من سيأتي بالإنجاز مماثلاً ليبقى الاعتزاز ماثلاً في رصيد عديد بتقاسم مشترك مع آخرين بالتساوي وقد يزيدون ولكن أين نحن من سبر أغوار «العلوم المتجددة».
من ينال العلا في الخارج يبرز اسمه في سجلات «المميزين» وقد يرتقي إلى قوائم «المؤثرين الفعليين في خريطة العلوم» ولكن كيف يخرج من بيننا «علماء» و»عباقرة» ليكونوا «روادًا» للعلوم و»علماء» للنظريات.. وماذا يمنع في أن ننافس «عتاولة» العالم في نوبل وغيرها.. إضافة على الإنجازات التي نجنيها بكل اقتدار من عقر دار أوروبا وأمريكا بكفاءة المواهب وإتقان المهارات.
ما أتعجب منه أننا نرى فلانًا يحمل دكتوراه في «فلسفة» التربية وأخرى يحمل أخرى في «فلسفة» العلوم بينما نراها عبارة في شهادة ولا نرى حامليها يوظفون «مفهوم» الفلسفة في مؤلفاتهم وفي جامعاتهم.. وما زاد عجبي إننا لم نر أقسامًا للفلسفة في جامعاتنا بمفهومها «العام» أو حتى تفاصيلها الجزئية ضمن مناهج تهتم بها..
نحتاج إلى ورش عمل وندوات وعمل علمي يحول الفلسفة إلى «معنى» للتميز و»أسلوب» للتنافس و»مجال» للعبقرية وأن نصنعها من ميادين «الإفلاس» التي كانت بيئة بائسة لإقصاء الفلسفة عن الحاضر والمستقبل في التعليم والتعلم وفي النصر والانتصار للعلوم حتى تمتلئ أوعية «العقول» بمدادها وسدادها.