رجاء العتيبي
لمن تتعبد ، لله أم للبشر؟.. يمكن أن تطرح هذا السؤال عندما ترى قنوات السوشال ميديا وقد عجت بمقاطع لأناس يصورون كل حركة وسكنة في مناسك الحج أو شعيرة الأضحية أو تأديتهم للصلاة والزكاة, وكأن الناس المشاهدين هم من سيعطونهم الثواب.. صور لا عدد لها عند الكعبة وعند الجمرات وفي منى وعرفات وبجوار الكبش حياً ومذبوحاً ومسلوخاً ومأكولاً.
حتى بجوار الفقراء وهم يتصدقون عليهم, أو يسقي حاجاً, صور كأنها تقول: «الحاضر يعلم الغائب أنا حجيت», «أنا تصدقت «أنا ضحيت», «أنا طفت بالكعبة»،
«أنا سجدت», أنا دعوت الله»، «أنا دعوت لكم», «أنا أنا أنا أنا ...» نرجسية لا حصر لها, يخشى عليهم من الرياء, ربما لا يعلم هؤلاء البشر أن المناسك والعبادات بين (العبد وربه) مصداقاً لقوله تعالى: {إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}... الآية.
لو صار كل ما يفعلونه رياء, لحبطت أعمالهم, ولما جنوا غير التعب والنصب, وإذا كان المغرد والمسنّب يريد شهرة فليبشر بها, وإذا يريد لقب حاج يبز به أقرانه فليبشر به, ولكن يخشى عليه أن ليس له في الآخرة من خلاق, وأبان الله في محكم التنزيل أن من يرد حرث الدنيا يؤته الله ما يشاء, أما من يرد حرث الآخر فالله يزيد له فيها بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
العبادات ليس فيها تفاخر وإنما فيها قلوب (وجلة) تخشى أن الله لا يقبل عبادتهم, فهم بين الرجاء والخوف لا يعلمون ماذا يفعل الله بهم, في مقابل من يصور نفسه في كل مناسك الحج وينشرها في كل مكان وكأنه قد ضمن الأجر والثواب.. شيء لا يصدق, وهوس غريب, لا تملك أمام ذلك إلا أن تقف متعجباً مندهشاً.
بالتأكيد ليس الكل, وإنما هي فئة قليلة, ولكن صوتها عالٍ, وصورها كثيرة, وقنواتها التواصلية لا حصر لها, في كل الأوقات, ليلاً ونهاراً تجدهم أمام عينيك، (فضاوة) غير عادية, لا تعلم متى يأكلون ولا متى يشربون, ولا متى ينامون, (صاحين) 24 ساعة, إذا أغلقت تويتر ظهروا لك في الواتس, وإن أغلقت الواتس ظهروا لك في السناب, وإذا أغلقت السناب ظهروا لك في الـ sms، تشعر أنهم يحاصرونك, وغلقوا الأبواب كلها في وجهك لا مفر من طلتهم النرجسية المهووسة, تعرف عنهم أكثر مما تعرف عن أبنائك.
من يقول: «شوفوني وأنا أطوف بالكعبة, وأنا أصلي، وأنا أرمي الجمرات ، أشك أنه إنسان طبيعي, على الأقل في اللحظة اللي هو فيها.