د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
السياسة ليست كما نخالها فهي مليئة بالتناقضات غير المفهومة، والأعمال غير الأخلاقية. وقد صدر مؤخرًا كتاب لبن رود بعنوان «العالم كما هو»، وأحدث الكتاب صدىً لدى المهتمين بفهم السياسة بشكل عام، والسياسة الأمريكية في عهد الرئيس أوباما بشكل خاص. فبن رود كان أحد كتاب خطابات الرئيس أوباما، وقد قذفت به الأقدار في طريق السياسة الأمريكية دونما تخطيط مسبق. وما ميز كتاب بين رود هو أن كاتبه ليس سياسيًا بالمعنى المحترف للكلمة، بل تعلم السياسة من خلال عمله في حملة أوباما الانتخابية، وربما انتهت خدمته السياسية بانتهاء فترته. فهو شخصية سياسية مختلفة بعض الشيء.
وقد تطرق رود لبعض التناقضات السياسية التي اكتشفها خلال عمله في الحملة الانتخابية لأوباما، وخلال خدمته في إدارة أوباما ككاتب للخطابات. وذكر رود بأنه اكتشف خلال مفاوضاته مع الحكومة الكوبية الشمولية أن بعض الأنظمة الشمولية أكثر تنوعًا واختلافا من أخرى تدعي الديمقراطية. فقد كانت خلافات كبيرة في وجهات بين الرئيس الكوبي فيدل كاسترو وأخيه راؤل، وكذلك مع أعضاء آخرين في الحزب الشيوعي الحاكم بشكل يفوق الخلافات بين أعضاء إدارة أوباما. وفي نظره فإن جميع الأنظمة شمولية ولكن بأساليب مختلفة. وأن الأنظمة التي تبدو ديمقراطية على السطح هي في الحقيقة حكومات الأقليات المتنفذة في هذه البلدان.
وقد استغرب رود نفسه، بعد أن كسب أوباما التصويت في ولاية أوهايو، من سهولة الوصول لسدة الحكم والقرار في أقوى دولة في العالم. وأن بعض المواقف السياسية مهما كبرت يتم التمسك بها أساسًا لتعود الناس عليها وليس لأية أسباب منطقية أو سياسية، ولذا فتغييرها قد يكون صعبًا للغاية، وقد يكون غير مقبول لدى الأوساط السياسية. وضرب مثالاً على ذلك بسياسة أمريكا تجاه كوبا ومقاطعتها التي لم تكن منطقية. وذكر أيضاً مفارقة منطقية أخرى وهي أن للكنيسة الكاثوليكية حضورا سياسيا كبيرا في كوبا، وأن الفاتيكان اختير كطرف ثالث ضامن ومقبول في المفاوضات مع الحكومة الكوبية. وذكر أن الفاتيكان اشترط قراءة الاتفاق بصوت جهوري في قاعة الفاتيكان كشرط لذلك. وعند قراءة التعهدات الأمريكية بصوت عال في الفاتيكان سمع صوت قساوسة من الفاتيكان ممن سبق وعملوا في كوبا الشيوعية يجهشون من البكاء فرحًا لقدوم رفع الحصار عنها. وقد ذكر أحد الكاردينالات لرود أن الاتفاق يمنح أملاً جديدًا بإمكانية أن يتصالح ألد الأعداء السابقين في العالم وليس كوبا لوحدها. ولمح رود في مقابلته أنه كان لكوبا رمزية خاصة في أمريكا الجنوبية وحتى في أفريقيا. وأنه عندما ذكر أوباما حل القضية الكوبية في خطابه للاتحاد الأفريقي ضجت القاعة بعبارات الترحيب.
ومما ذكره رود في كتابه هو أن أوباما حاول أن يعالج آثار غزو وتدمير العراق الذي قامت إدارة بوش على العالم الإسلامي، وتبع ذلك خطابه الشهير في القاهرة الذي لقي ترحيبًا كبيرًا في العالمين العربي والإسلامي. إلا أنه أوضح أن أوباما كان يكره العرب بالذات بشكل غريب غير مفهوم، ويراهم قوما بدائيين وبلا حضارة، وكان يعتقد أن إيران لوحدها تجسد الحضارة الإسلامية. وربما يكون هذا، والكلام للكاتب وليس لرود، غير مستغرب، فالأمريكيون من أصل أفريقي، عندما يتماهون مع الطبقة المخملية البيضاء، ممن يوصفون عادة بالسود ذوي الأقنعة البيضاء، يتحولون لعنصريين أكثر من البيض ليس تجاه السود ولكن تجاه الأعراق الملونة الأخرى كالمكسيكيين، والهنود الأصليين، والعرب وغيرهم.
تقرب أوباما من إيران عبر وزير خارجيته جون كيري صاحب علاقات المصاهرة معها، وربما كان عنصريًا أيضا تجاه العرب. ووقع معها معاهدة الاتفاق النووي سيئة الذكر لامتصاص ضغط اللوبي الصهيوني. وكان الاتفاق ينص على أن توقف إيران برنامجها النووي لعشر سنوات مقابل رفع العقوبات عنها، وإطلاق يدها في مد نفوذها في جوارها العربي. وقد اشترطت إيران أيضًا تنحية إياد علاوي المنتخب رسمياً وتمكين عميل إيران في العراق نوري المالكي من حكم العراق. وأفرج الأخير عن سجناء القاعدة والبعثيين في العراق وأمر بانسحاب الجيش العراقي من الموصل وترك معداته، فكانت داعش التي مهدت الطريق لدخول إيران رسميًا للعراق وسوريا بحجة محاربة الدولة الإسلامية. وكذلك تدمير أمريكا ما تبقى في العراق بحجة محاربتها. أي انهم صنعوا صنمهم ثم أكلوه. ومن التناقضات الغريبة جدًا أن أوباما سمح لإيران وعملائها بالتوسع في الدول العربية بشعار «الموت لأمريكا». فكانت هذه الفوضى العارمة غير الخلاقة في منطقة الشرق الأوسط.