عبد الله باخشوين
كان الأستاذ (علوي طه الصافي) عندما يلتقيني أنا أو أحد أبناء (جيليي) في وجود أي أحد من أبناء (جيله).. لا بد أن يلتفت إليه ويشير إلينا ويقول بمزيج من الدهشة والامتعاض: -(شوف أطفال الأنابيب) وكأننا جئنا (قبل يومين) ولم يكن هو وبعض أبناء جيله.. هم الذين (شجعونا) ورعوا بداياتنا الأولى في مجلة (اليمامة) وغيرها من أركان صحافتنا التي رعت الثقافة واحتضنت بدايات (الشباب).. وهنا لا بد أن أخص بالذكر الأستاذ محمد الشدي رئيس تحرير مجلة (اليمامة) الذي كان الوحيد الذي (يصرف) لنا -حسين علي حسين وجار الله الحميد وأنا- وربما لغيرنا من شبان تلك الأيام (مكافآت) على (القصص) التي كانت اليمامة تنشرها لنا في ذلك الوقت الذي كنا فيه نعتبر أن نشر ما نكتب يعد مكافأة بحد ذاته.. ولم يدفع لنا (أحد) قبلها أو بعدها أية مكافأة على نشر قصة من القصص.. وطبعا كان هذا سائدًا قبل أن تتبنى بعض وزارات (الإعلام) العربية فكرة (إنشاء مجلات ثقافية) تدفع مكافآت لمن تنشر له.. وأصبح معروفاً أن ذلك كان نوعاً من السعي لاحتواء الثقافة لأسباب تتعلق بالدعاية السياسية.
أما (حنق) ودهشة وامتعاض أستاذنا علوي طه الصافي.. فتعود لفترة رئاسته لتحرير مجلة (الفيصل) التي كنا نرى أنها مجلة (هجين) فهي خليط من مجلة (العربي) الكويتية الشهيرة باستطلاعاتها الصحفية الثرية.. وتكاد تكون مجلة تراثية مع اهتمام سطحي بالثقافة التي لا علاقة لها بالثقافة المحلية.. وبدون أي اتفاق مسبق لم يسع أبناء جيلي ولا معظم سابقيهم للنشر فيها أصبحت موادها تأتي من الخارج لتنشر في الداخل وظل هذا هو حالها إلى آخر عدد شاهدته منها قبل عدة سنوات ولا أدري هل هي مستمرة في الصدور أم أنها توقفت.. لكننا كنا نفضل النشر على صفحات صحفنا اليومية التي اعتنت بالثقافة وأفردت لها ملاحق وصفحات ولا يوجد بيننا من لا يدين بالفضل لرعايتها واهتمامها.
ورغم أنني نشرت (القليل) مما كتبت في مجلات (ثقافية متخصصة) إلا أنني لا أحب النشر فيها وأفضل النشر في الصحف (السيارة) يوميًّا وأسبوعياً.. ورغم اجتياح صفحات (الرياضة) وهيمنتها في وقت من الأوقات وتقلص الاهتمام بالثقافة لم تغب صفحاتها.. وكنا نسعد كثيرًا بذلك النوع من القراء المهتمين بالرياضة لمجرد أن الواحد منهم سوف يرى ما نشرنا خلال تصفح الجريدة وكل طموحنا أن يقرأ مما كتبنا (العنوان) أو يقوده فضوله لقراءة عدة (سطور).
وبالعودة لفكرة (أطفال الأنابيب) التي أطلقها الأستاذ علوي الصافي.. قد نجد اليوم من ينظر بدهشة إلى جهود الشباب.. ونسمع بيننا من يعلق على ما لا يعجبه قائلا: (آخر زمن عشنا وشفنا.. عيالنا وبناتنا ماسكين كل شيء.. واحنا يا الله حسن الختام).
وقد فاجأتني زوجتي قبل أيام بالتعليق على قيادة إحدى الشابات التي تعهدت بإيصالها وإعادتها من عملها لسفر السائق في إجازة.. بالقول.. (شهرين وهذي (الفعوصة) تحاول تقنعني أركب معاها.. ولما قبلت.. بدأت تمشي بشويش.. أنا مفتحة عيني عليها...لقيتها ما شاء الله (سواقة).. تسرع شوية لكنها ما تتهور).
أضافت بحنق:
- كل البلد قاعدة تتغير إلا أنه والمثقفين اللي زيك لا انتو هنا ولا هناك.. خسارة ضيعتوا شبابكم في الكلام الفاضي.. والحمد لله إن عيالنا ما طلعوا زيكم...
وختمت كلامها بسؤال عريض:
- هيا تعال قلي انته وكتبك.. مين قاعد يقرأ لكم ولا يطالع في وجهيكم..؟!
قلت ضاحكا:
ولعنا وانطفينا بسرعة غريبة.. الله يجازي اللي كان السبب
قالت ببساطة:
- الحكاية سهلة وواضحة.. ما في أحد يقدر ياخذ زمنه وزمن غيره.. افهمها يا شاطر؟!