فهد بن جليد
النجاح الباهر في إدارة الحشود الذي يحدث الآن في المشاعر المقدسة ومكة المكرمة هو «ماركة سعودية» مُسجَّلة بإعجاب عالمي، حاولت العديد من الدول والمنظمات الاستفادة منه واستنساخه رسميًا خلال مؤتمرات ومناسبات عديدة تبوأت المملكة فيها مكانة عالية ومتقدمة، لنجاحها السنوي في التعامل مع كل هذه الأعداد والكتل البشرية في الحج وفق أحدث أساليب وطرق فن وعلم إدارة الحشود، الذي باتت الخبرة السعودية فيه كبيرة وفريدة على مستوى العالم، نظرًا لتعاملها مع حشود متنوعة بأطياف وثقافات ولغات وظروف صحية مختلفة، وسط تحديات زمانية ومكانية وظروف مناخية وجغرافية خاصة، -برأيي- أنَّه إضافة لاتباع المملكة أحدث الأساليب والنظريات العلمية، وسعيها لاستقطاب أفضل التجارب العالمية في فن إدارة الحشود، فإنَّها تعتمد بفضل الله على ميزَّة خاصة -بالسعوديين أنفسهم- بحب وإخلاص العاملين والمُدبِّرين لشؤون الحج لضيوف الرحمن، والتعامل معهم من منطلق التعبد بخدمتهم، والتشرف برعايتهم بكل صدق وإخلاص ورحمة، وهو سرُّ نجاح التجربة السعودية وتفوقها على نظيراتها حول العالم.
في كل التجارب والتجمعات الإنسانية في المناسبات الرياضية والدولية والسياحية العالمية الكبرى، هناك حد أدنى مشترك مُتعارف عليه للمستوى العلمي والاقتصادي والثقافي الذي يجمع بين حضور تلك المناسبات، وهو ما يسهل في نهاية المطاف من عملية تنقلاتهم وسكنهم والتعامل معهم واستجابتهم لتلك الخطط والتفاعل معها نظرًا لتكرار حضورهم لهذه المناسبات في دول عديدة، إلاَّ أنَّ تجربة الحج خاصة ومختلفة يتم التعامل فيها مع ضيوف متنوعين في كل عام يخوضونها للمرة الأولى من بينهم كبار السن، والمعاقين، وغير المتعلمين، والمرضى، وأصحاب الظروف الخاصة ممَّن يسافرون للمرة الأولى في حياتهم خارج بلدانهم وقراهم، وعليك مراعاة هذا التنوع والاختلاف في اللغة والثقافة والظروف الصحية والجسدية والكل ينتظر منك البذل والعطاء والخدمة وتذليل الصعوبات، وهو ما يزيد من حجم التحدي في كل عام.
السعوديون لم يعد يرضيهم مجرَّد تقديم الخدمة وتوفيرها سنويًا للحاج بشكل تقليدي وروتيني، بل بات التنافس بيننا اليوم على أشدِّه لتجوِّد تلك الخدمات وتنوعها بإتقان وتقديمها بأقل الأخطاء الممكنة والمتوقعة، لذا تصاعد مستوى الخدمات عامًا بعد آخر من عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وحتى عهدنا الحاضر بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- حتى وصلنا إلى هذه الكفاءة العالية باستخدام أحدث الطرق والأساليب والتقنيات التي يتسِّمُ بها هذا العصر في إدارة الحشود وتقديم الخدمات، السعودية تتعبد لله وتتشرف بهذه الخدمات بعد أن منحها الله هذا الشرف، لتقوم بهذا الدور الريادي بكل كفاءة وإتقان، فهي لا تسعى للكسب المادي أو تحقيق أرباح من قدوم هذه الحشود إليها، بل إنَّها تدفع المليارات مقابل رعايتهم وحمايتهم وخدمتهم انطلاقًا من إقامة التوسعات والمشاريع العملاقة بالحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة وتقديم الرعاية الصحية والخدمية مجانًا للحاج والمعتمر والزائر، وصولاً للتكفل برسوم تأشيرة من يحج للمرة الأولى وهذا يدل على أن السعودية تبذل ولا تأخذ، وهذا من أسرار نجاحها وتفوقها على التجارب الأخرى الشبيهة -إن وجدت- أصلاً.
وعلى دروب الخير نلتقي.