د. مها أحمد القرزعي
استكمالاً للحديث عن أهمية استقلالية إدارات التعليم وتمكينها تزامناً مع الأهداف الاستراتيجية للتعليم لتحقيق برامج التحول الوطني 2020 وارتباطها بالمبادرة الثامنة من مبادرات التحول الوطني التي عنوانها (تطبيق النموذج التشغيلي المقترح لوزارة التعليم وإعادة توزيع الأدوار بين الوزارة والجامعات وإدارات التعليم)، أورد في هذا المقال المتطلبات الاستقلالية لإدارات التعليم على النحو التالي:
أولاً: متطلبات مجتمعية
إن أول عمل يجب أن تقوم به إدارات التعليم في نظام استقلاليتها أن تدرس تركيبة مجتمعها المحلي المجتمع الذي تتولى المسؤولية التعليمية والتربوية فيه، وتتفهم طموحاته واحتياجاته الناجحة، وتدرس ومؤسساته التي تعرف مواقع سلطة اتخاذ القرارات الأساسية فيه ومعرفة قوة هذه القرارات واتساعها، وهذه المعرفة تساعدهم على بناء
جسور الثقة مع فعاليات المجتمع المحلي ودفعهم إلى المشاركة في العمل التعليمي والتربوي. فالإدارة التربوية هي التي تدرك مدى ارتباط التعليم بحاجات المجتمع، وأن السكان المستفيدين من التعليم في مناطقهم سيساهمون بصورة أفضل في دعم التعليم وفي الغالب ممثلو المجتمع الرسميون والمستفيدون من التعليم.
ثانيًا: متطلبات تنظيمية:
إن استقلالية إدارات التعليم تغطي مجالات متعددة بالإضافة إلى المجال التعليمي والتربوي فهي تمتد الى الأنشطة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وتستند على عدد من الركائز منها التخطيط والتنفيذ والتقويم وتحديد أنماط المشاركة وغيرها.
لذا ينبغي على الإداريين والتربويين المسؤولين عن عملية استقلالية إدارات التعليم أن يتعاملوا مع الحاجات التي تتطلبها هذه العملية باهتمام بالغ لصياغة الأهداف الأساسية التي يتم على ضوئها بناء الخطة القابلة للتنفيذ، والقيام بحصر الحاجات التعليمية والتربوية القصيرة والمتوسطة والطويلة الأجل على جميع المستويات الإدارية (إدارة التعليم، مكتب التعليم، المدرسة)، والعمل على تنسيق الأنشطة التعليمية والتربوية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية على المستويين (مكتب التعليم، المدرسة)، ومواءمة القطاعين التعليمي والاقتصادي ليكون التعليم مواكبا لمتطلبات سوق العمل، وتعزيز الشراكة المجتمعية والجدية في تطبيق مبادرة (إرتقاء) ومد جسور الثقة مع فعاليات المجتمع المحلي ودفعهم الى المشاركة في العمل التعليمي والتربوي. وإعادة تنظيم ميزانية التعليم تتوافق مع نظام استقلالية إدارات التعليم من خلال إعادة صياغة الأنظمة والتشريعات وتطبيق نظام الحوكمة والمحاسبية.
بعد صياغة الأهداف المرجو تحقيقها في نظام استقلالية إدارات التعليم، يجري العمل على وضع آليات تنظيمية تدير عملية استقلالية إدارات التعليم في المناطق التعليمية المختارة، وتعمل على تهيئة الظروف الموضوعية والذاتية على مستوى المنطقة والميدان.في هذا المجال يقترح تشكيل فريق مركزي مكون من خيرة القادة والإداريين والتربويين ليتولوا كامل عملية استقلالية إدارات التعليم ويكون له كامل الصلاحيات في اتخاذ القرار وتحديد إدارات التعليم في مناطق المملكة ومحافظاتها ومكاتب التعليم والمدارس التي ستكون مشمولة في النظام اللامركزي وبأي شكل وعلى أي مستوى وتحدد الشروط والمتطلبات الواجب توفرها لتطبيق الاستقلالية واللامركزية.
وتقوم أيضا بتفويض الصلاحيات وتصدر الأنظمة والتعليمات وتشكل اللجان الفرعية وفرق العمل المحلية والعمل على دراسات تفصيلية متخصصة تساعد على تشخيص الواقع الإداري لإدارات التعليم ووضع التوصيات لمعالجة المشاكل والتداخل في المهام والمسؤوليات.
فاستقلال إدارات التعليم هو الطريق الأنسب لضمان الاستخدام الأمثل للموارد البشرية والمادية والتوزيع المتوازن للمشاريع التطويرية ولمبادرات برامج التحول الوطني وللاستثمارات التربوية وهو الطريق الأفضل لتعزيز دور المجتمعات المحلية في العملية التعليمية والتربوية.
ثالثًا: متطلبات قانونية
يعتبر الإطار القانوني أحد أهم متطلبات تنظيم عملية استقلال إدارات التعليم، حيث إن إصدار القوانين والقرارات لتجسيد الأعمال التي ينبغي القيام بها يشكل الخطوة الرئيسية في جعل إدارات التعليم تتقدم الى الأمام في هذه العملية. وذلك من أجل تثبيت هذا النظام وإعطائه الصفة القانونية الملزمة على مستوى جهاز وزارة التعليم ومستوى الدولة.
رابعًا: متطلبات تخطيطية
بعد إتمام تشخيص واقع إدارات التعليم المختارة تأتي مرحلة التخطيط وتعتبر من المراحل المهمة التي تسهل عملية الانتقال السلس إلى نظام استقلالية إدارات التعليم، وهي عملية يجب أن تخطط كما أن تطبيقها في الميدان يجب أن يتم وفق خطة مدروسة. ومعنى ذلك أن دراسة المجتمع المحلي وتفعيل دوره وإشراكه في العملية التعليمية ودراسة الواقع التعليمي والتربوي الإداري والتنظيمي ومسح الحاجات وتحديد الأهداف جميع هذه الأعمال تتم وفق خطة مدروسة نضعها وتشرف عليها فرق العمل المركزية والمحلية وهي مرحلة تشخيص الواقع التربوي وهي ضرورية للتحضير لعملية تخطيط استقلال إدارات التعليم.
إن نجاح استقلال إدارات التعليم في مختلف المستويات مرهون بقدرة النظام التربوي على صياغة خطة تربوية على مستوى الوطن وعلى المستوى الأوسط والمحلي، وتكون واقعية تعكس الحاجات التربوية وتحقق الأهداف التربوية على مستوى إدارة التعليم والمدرسة ومنسجمة مع الأهداف التربوية وسياسة التعليم في المملكة العربية السعودية. وإن نجاح الخطة مرهون أيضا بقدرة المخططين على إشراك أوسع للفئات في المجتمع المحلي.
مقترحات وتوصيات
- التوجه نحو الاستقلالية الجزئية المتدرجة من خلال تطبيق الاستقلالية بشكل متدرج على مجموعة من إدارات التعليم في مناطق المملكة ومحافظاتها، بحيث تمارس فيها الاستقلالية الإدارية والمالية كمرحلة أولى مع تنمية الموارد المالية للوصول إلى الاستقلالية الشاملة، بحيث تحظى هذه الإدارات بمرونة عالية في استحداث اللوائح والأنظمة التي تدعم التميز والإبداع الإداري بشكل يتوافق مع أهداف نظام استقلال إدارات التعليم ويتواءم مع متطلبات التنمية ويخدم التوجهات الاقتصادية المستقبلية وغيرها.
- يكون التطبيق على باقي إدارات التعليم بشكل مرحلي بناء على معايير محددة يمكن التوصل لها من تجارب إدارات التعليم السابقة.
- الاستفادة من التجربة القائمة في التعليم العالي بمنح مؤسساتها العملية درجة كافية من الاستقلالية.
- الاستفادة من التجارب الإقليمية والعالمية في مجال استقلال إدارات التعليم.
- وجود قيادات مؤهلة على مستوى إدارات التعليم ذات فكر استراتيجي لتحقيق ذلك.
- ارتباط إجراءات التمكين الإداري والمالي مع وزارات أخرى كوزارة الخدمة المدنية ووزارة المالية.
- يحتاج الاستقلال المالي إلى تبني مفهوم المؤسسات التعليمية المنتجة كمصادر تمويلية بديلة، ودعم وتشجيع الأنشطة الاستثمارية ودعمها ماليا وتنظيمياً لتكون الممول لهذه الإدارات في المستقبل وترسيخ فلسفة التشغيل الذاتي لإدارات التعليم وتنمية الحس الاستثماري فيها.
- إعطاء صلاحيات جوهرية لإدارات التعليم في المناطق لجعلها مستقلة ولا تعود لوزارة التعليم إلا في القضايا الخاصة بالسياسات العامة والإجراءات الموحدة.
- إنَّ درجة استقلالية إدارات التعليم يستند في الأساس على درجة التفويض الممنوحة لمديري إدارات التعليم، وإتاحة درجة كبيرة من التمكين في اتخاذ القرارات التطويرية.
- ربط الجامعات بإدارات التعليم التابعة لنفس المنطقة التي تقع فيها الجامعات ليكون هناك إشراف وتبادل أدوار ما بين الجامعة وإدارة التعليم. ويمكن تكليف مجلس أعلى في كل منطقة للقيام بهذا الدور دون تداخل مباشر في الأدوار والمهام مع إدارات التعليم.
- إن تطوير التعليم في إطار استقلالية إدارات التعليم والمشاركة المجتمعية هو الضمان الوحيد لاستدامة عملية التطوير وتحقيق الأهداف المرجوة والتوجه نحو اللامركزية وإتاحة دور أكبر للمجتمع المحلي في التعليم.
- استقلالية إدارات التعليم أصبحت فلسفة مستقرة في كثير من الكيانات والدول والعقول الواعية والمدركة لخطورة التدخل السلبي بكل صغيرة وكبيرة في شؤون إدارات التعليم.
- إعطاء إدارات التعليم ثقلا ومكانة في المجتمع المحلي وحرية تامة في الاستثمار الأمثل للموارد البشرية والمادية، وأن تتخلى عن الجمود والثبات العقيم، وتتحلى بالمرونة والقدرة على التكيف السريع مع ما يطرأ من متغيرات ومستجدات تعليمية وتربوية.
- إعادة بناء الهيكل التنظيمي لإدارات التعليم بالشكل الذي يدعم توجه الوزارة نحو تطبيق استقلالية إدارات التعليم. وإبرازه من خلال الخارطة التنظيمية يصف خطوط انسياب السلطة والمسئولية دون تعقيدات.
- تأهيل القيادات التربوية في إدارات التعليم وايضاَ تأهيل قيادات الصف الثاني لإعداد قيادات واعية ومدركة لأهداف ومقاصد استقلالية إدارات التعليم.
- استحداث أساليب جديدة وتقنيات حديثة متطورة لتبسيط إجراءات وتنفيذ عمليات استقلالية إدارات التعليم وفق منهجية علمية محددة وواضحة ومعلنة وميسرة في تطبيقها على أرض الواقع.
- ضرورة تكثيف جهود الوزارة في التعريف بتوجهاتها وأنشطتها المتعلقة بالتوجه المأمول في تطبيق نظام استقلالية إدارات التعليم سواء على مستوى الوزارة أو على مستوى إدارات التعليم أو مكاتب التعليم أو المدارس.
- نشر ثقافة استقلالية إدارات التعليم على مستوى الوزارة والجهات المرتبطة بها ابتداءً من إدارات التعليم وانتهاءً بالمدارس التي تمثل الترجمة الحقيقية لتطبيق توجه الوزارة نحو تطبيق اللامركزية.
- تهيئة العاملين في كافة المستويات الإدارية من خلال التدريب والتثقيف الإداري بما يتعين التزامهم بتوجه الوزارة نحو تطبيق الوضع المأمول.