د. خيرية السقاف
اليوم وقد قضى الحجيج وقفتهم، وهلَّت بشائر جائزتهم..
اجتمعوا على أرض واحدة سواء،
اصطفوا معاً كتفاً بكتف في سلام،
تمثّلت لهم الأخوة، والقربى، وأوشاج التعارف، وسكن الاطمئنان..
لمسوا بكل جوارحهم أثر الترابط، ووحدة الصف،
تمثّلت لهم «العقيدة» في أعمق، وأجلِّ مقاصدها أداءً، وتطبيقاً، وتعايشاً، ومشاركة
لا ريب قد بلغتهم رسالة الله فوق أرضه..
واليوم عيدهم، عيد نفوس أفرغت ما فيها، واستبدلته براحة تصاعد معها أنفاسهم للسماء شكراً..
فماذا سيذهبون به من النيَّة، بعد الذي عايشوه على هذه الأرض منذ قدومهم، إلى يوم عيدهم، إلى يوم يغادرون؟!
أوَليس أن تفرغ النفوس في صدورهم من ذاتيتها، وأن تُشدَّ أعضادهم معاً، وأن يؤمنوا قولاً وفعلاً بأنهم الجسد الواحد؟
حتى إذا ما تفرَّقت بهم السبل، واشتكى عضو فيه يتداعون له ببقية الأعضاء؟..
وهذا العالم المادي بكل نواياه لا يجد غير أمَّتهم مرمى لسهامه؟..
أوَليس جمعهم في الحج درساً ناطقاً لهم، وفعلاً ذا أثر فيهم فيكونون في أيامهم القادمة، وحيث مواقع معاشهم المترامية شرقاً، وغرباً، وشمالاً، وجنوباً للمعمورة، وبكل ألسنتهم، وهوياتهم قلباً واحداً؟!..
فلا ينسون أمتهم، ولا أيديَ هنا بُسطت لهم، كما الأرض، و أكتافاً تحمَّلت أعباء حجِّهم، وتفانت صدقاً من أجل تمكينهم من فريضتهم دون عناء، ولا خوف، وبكل راحة، ويسر، واطمئنان؟
أكثر من مليونين من نساء المسلمين، ورجالهم اليوم يسعدون بعيدهم على أرض مشعر «منى» في «مكة المكرمة» السعودية الرحبة لكل قاصد فريضة، وآتٍ لصلاة، ومتوجهٍ لعمرة، وحجٍ..
لا تكليفَ يتحمَّلون، ولا تسويف يواجهون، بل بذلاً بذلاً، وخدمةً جليلة بأريحية، وتفانٍ، بصدق نية، وطهر اعتقاد..
اليوم عيد الحجيج، وكل المسلمين..
يوم جائزة القبول، وفرحة البلوغ..
وهو عيد الشمل، والأمل، وطهارة الصدور..
فليدم الله طهارتها، ويمكنها من صدق نقائها،
وليبارك الله للجميع حجهم، ويوفقهم لمرضاته..
وشكراً لكل جنود الحج من أبناء هذا الوطن الخلَّص..
من القائد الملهم، وولي عهده المجدِّد، وأمير مكة المتفاني،
ولرجال الأمن باختلافهم، ولكل فريق منه، ولا يزال له الجهد، والأداء،
والخدمة الجليلة لضيوف الرب العظيم، على هذه الأرض المباركة بمن فيهم المتطوعون..
حفظنا الله، وحفظ أمننا، ووفقنا لأداء واجبات التكليف، وأدام علينا بهاء التشريف به، وأتم للمسلمين أيامهم في رضاه، وقبوله.
وكل حج، وعيد والجميع راضون لله، مرضيين منه تعالى.