د. محمد عبدالله الخازم
وهذا عيد جديد يأتي، وككل عام ندعو الجميع للفرح، نأمله فرحاً حقيقياً لا تظاهراً لأجلنا ولأجل من حولنا. في العيد لا نكتب عن أحزاننا وعن التيه الذي يعيش فيه إنسان العصر، ربما اكتفينا بما قاله أبو الطيب «عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ» وتمسكنا به خوفاً من التعبير بمثله، ليس من ناحية اللغة والنظم، ولكن من ناحية التعبير عن المشاعر. وهل يسهل التعبير بأنك غريب لا تعرف طعماً مميزاً للعيد منذ سنوات وكل فعلك هو اجترار لبعض ذكريات الطفولة ومحاولة صنع لحظات فرح مصطنعة، لا يميزها سوى طيب الأكل ومنظر فساتين وأثواب وبدل الفتيات والفتيان الصغار!
نعيش غربة تزداد بفعل التحولات المجتمعية والثقافية والرقمية وهذا الأمر ليس خاصاً بنا أو بأعيادنا ومجتمعنا، فحتى في أعياد الآخرين، أسمع منهم وبالذات من كبارهم، نفس عبارات القلق من كون الأعياد تحولت إلى ملتقيات اعتيادية مصطنعة. عموماً؛ بعضنا لا يعد عيد الحج أكثر من كونه أداء واجبات سواء في الحج أو خدمة الحجيج أو في الانشغال بذبح الأضحية. في الماضي كان ذلك يأتي عبر طقوس ومظاهر فرح جماعية لكنه لم يعد كذلك فالناس تبحث عن شيء مختلف، غير مكرر، وهذا لا يحدث في واقع الحياة. في الحياة أعمارنا وأعيادنا وما نفعله مجرد نماذج مكررة، ومهمتنا الصعبة محاولة صنع البهجة في التكرار.
بعيداً عن تواضع اهتمامي بالعيد لأسبابي الإجتماعية والثقافية، أرى مجتمعنا يحتفل هذا العيد كما هو كل عام بخدمة الحجيج ويتباهى بتحقيق النجاح المتكرر. الجميل هو أننا نتحدى أنفسنا كل عام لتحقيق ما هو أفضل مما سبقه. نرحب بالحجيج، نتباهى بخدمتهم ونجتهد في إجادة الخدمة مستفيدين من التطورات التي تحدث كل عام تقنياً وتنموياً وإدارياً. إضافة إلى ذلك أعتقد أن هناك فرحة إضافية يأتي بها عيد هذا العام للمجتمع ولسيدات وبنات بلدي بصفة خاصة، ألا وهي فرحة القرارات الأخيرة المتعلقة بأنظمة الولاية والعمل الخاصة بالمرأة. تعليقي المتكرر، هو الإشادة وتقدير الفرح بها، فهي نقلات سيخلدها التاريخ في مجال الإصلاح والعدالة الاجتماعية وحتماً سيتجاوز تأثيرها بلادنا ليمتد إلى دول أخرى، هكذا تعودنا باعتبارنا قوة إسلامية مؤثرة. بعد عقود من الزمن، ما زالت الدراسات تؤلف حول تأثير السماح بتعليم المرأة السعودية وأحسب أن قرارات تنظيم الولاية على المرأة ستحظى بدراسات اجتماعية على مدى سنوات عديدة قادمة.
افرحوا بالعيد، تذكروا من تحبون ولا تعتنوا كثيراً بمن تغالى عليكم وهجركم، فمن لم يتحرك قلبه في العيد لمشاركة الفرحة والبسمة وإشعاركم بشوقه فلن يتحرك في مواسم أخرى. العيد فرحة ولكنه ليس على حساب مشاعركم. افرحوا مع من يبحث عن فرحكم وتجاوزوا عمن أهملكم، مواسم الأعياد تتكرر فإن حضر في عيد آخر، أهلاً وسهلاً، وإن لم يفعل فللنسيان. الحياة مليئة بالأصدقاء والأقرباء الجميلين ومعهم يفترض نسيان الغائب عمداً والترحم على الغائب عن دنيانا للأبد.
كل عام والجميع بخير.