محمد سليمان العنقري
مقولة «إن الأزمات تولد الفرص» قد يُعتقد أنها تخص توجيه الاستثمار لأوراق مالية بشكل أساسي، أو هبوط بقيمة الأصول من عقارات وغيرها بأكثر من المتوقع، ودون قيمتها العادلة، لكن الواقع أن هذه المقولة تنطبق على كثير من المتغيرات التي تفرض نفسها خلال معاناة أي اقتصاد، سواء من تباطؤ نمو أو ركود.
فتغيير طبيعة الأعمال، واكتشاف نماذج وأساليب جديدة فيها، إنما ينبعان بشكل شبه مطلق من المعاناة التي قد تكون بسبب ارتفاع وتيرة التنافسية، أو لأجل البقاء في حال تراجع النشاط في القطاع أو الاقتصاد كله؛ فكثير من الأفكار تولدت في خضم الأزمات أو المعاناة؛ فحب البقاء، وكذلك التفوق، طبيعة بشرية، لكن ما يحفزها بشكل أساسي الضرورة التي أحد أهم أسبابها معاناة الاقتصاد، إضافة إلى عوامل أخرى، تندرج تحت الحاجة؛ فالأدوية يتم اختراعها نتيجة لمعاناة المرضى، واستخدام التقنية الحديثة في المصانع يكون لتقليل المصاريف وزيادة التنافسية، وغالبًا الذي يحرك الشركات للبحث عن تطوير أعمالها هو الضغط الذي تمرّ به عندما يتراجع الاقتصاد أو النشاط في قطاعها؛ ولذلك فإننا نجد الكثير من الشركات عندما تنخفض إيراداتها وتتأثر بتراجع النمو الاقتصادي تبدأ عندها بالبحث عن أساليب جديدة لتقديم أعمالها بتكلفة وتنافسية أفضل.
فالاقتصاد تراجعه يعد المحفز للتفكير مجددًا بواقع المنشأة ومستقبلها؛ ففي فترات الرواج الاقتصادي يكون الطلب كبيرًا، وينمو بتسارع يفوق العرض؛ وهذا بدوره يجعل المنشآت تغفل عن التطوير بأعمالها، والتخطيط للمستقبل. وإن هذا الرواج لن يدوم؛ إذ سيزداد العرض مع الوقت؛ وهو ما سيؤدي حتمًا لتراجع في حجم الطلب قياسًا بالعرض نتيجة التخمة بالمعروض في الأسواق؛ ولذلك تجد الدول تراقب أداء اقتصادها، وتتدخل في مراحل معينة، ككبح جماح التضخم، أو تحفيز الاقتصاد إذا تراجع عبر السياستين النقدية والمالية؛ وذلك لضبط دفة النمو واستدامته بنِسب متوازنة، ولأطول فترة ممكنة لتحقيق أهداف تنموية كبرى.
التغير بطبيعة الأعمال هو أمر حتمي، ومطلوب من كل منشأة أن تبحث عما سيعزز تنافسيتها بالمستقبل، وأن تنتقل من مرحلة لأخرى مستفيدة من التطور التقني والإداري والأفكار الإبداعية، وإلا لن يكون لها مكان في المستقبل.. فشركة نوكيا للهواتف كانت تسيطر على 35 % من السوق العالمية، لكنها تقهقرت؛ لأنها لم تتحول مبكرًا للتقنية والعصر الجديد عندما بدأ الطلب يتراجع في قطاعها قبل أن ينهض من جديد، لكن بمنتجات مختلفة وأجهزة ذكية. فالمعاناة في الاقتصاد أو نشاط القطاع تبقى هي أهم المحفزات لتغيير طبيعة الأعمال، وظهور الأفكار الجديدة.