د. أحمد الفراج
تواصل القافلة مسيرتها مع أفضل عشرة رؤساء في التاريخ الأمريكي، وقد تناولنا سبعة منهم، أما الثامن فهو رئيس غريب، إذ عمل في المحاماة وفي التجارة، ثم خاض معترك السياسة والعسكرية، ونتحدث هنا عن الرئيس اندرو جاكسون، سابع رؤساء أمريكا، إذ فاز بفترتين رئاسيتين، وحكم بين عامي 1829 و1837، وقد ولد في منطقة زراعية نائية، بين ولايتي شمال وجنوب كارولينا، وعندما كان في مقتبل شبابه، أَسَرَه الإنجليز، فطلب منه جندي بريطاني أن يمسح حذاءه فرفض، فتم عقابه بشدة، إذ ضربه الجندي بالسيف على يده ووجهه، فَكَرِه المستعمرين الإنجليز بشدة، وكان لهذا دور في عشقه للعسكرية، إذ كان شجاعًا مقدامًا في كل المعارك التي خاضها، ورغم أنه لم يكن من أسرة ارستقراطية، فوالده مهاجر ايرلندي، إلا أنه استطاع أن يشتري أرضًا شاسعة، يخدم فيها الرقيق، الذين كان يعاملهم بقسوة أحيانًا، رغم أن بعض المؤرخين يؤكدون على أنه لم يكن قاسيًا مع الأرقاء مثل نظرائه في ذلك الزمن.
خدم جاكسون حاكمًا لولاية فلوريدا، وعضوًا في مجلس الشيوخ وفي مجلس النواب، قبل أن يفوز بالرئاسة، ويعد هو المؤسس الحقيقي للحزب الديمقراطي، وكان من أهم إنجازاته عسكريًا، هزيمته للإنجليز في معركة نيو اورلينز، واقتصاديًا، التوسع التجاري لأمريكا، وتسديد الدَّين الوطني، ومحاربة الفساد بطرق مبتكرة، أما خارجيًا، فلقد تعامل بدبلوماسية أحيانًا، وبشدّة وحزم أحيانًا أخرى، مع القوى الكبرى في ذلك الزمن البعيد، مثل بريطانيا وفرنسا وإسبانيا، ولأنه شارك في حرب التحرير، فقد كان مناصرًا قويًا لوحدة أمريكا، ولا يتقبل فكرة استقلال أي ولاية عن الاتحاد الأمريكي، وخلال فترة حكمه، انضمت ولايتان جديدتان للاتحاد، هما ولاية اركانساس وولاية ميتشجن، وقد كان ذلك إنجازًا كبيرًا، إذ كانت أمريكا في بداية نشأتها وتشكّلها، ومن الطرائف عن هذا الرئيس أنه تبارز في شبابه بالسلاح مع رجل آخر، وكانت هذه المبارزات أمرًا شائعًا في ذلك الزمن، فأطلق عليه الرجل النار وأصابه في صدره، ثم أطلق هو النار على الرجل فأرداه قتيلاً، ولاحقته هذه القصة حتى نهاية حياته، ومن أشنع ما قام به هذا الرئيس هو تعامله مع الهنود الحمر، إذ اتبع معهم سياسة في منتهى القسوة والتوحش، حينما أرغمهم على الانتقال من مناطقهم إلى مناطق أخرى، ومات الكثير منهم من جراء ذلك، ويطلق بعض المؤرخين على هذه العملية لقب «المجزرة»، والخلاصة هي أن هذا المحامي والعسكري والسياسي تم تصنيفه كواحد من أفضل رؤساء أمريكا، واللافت هو أن الرئيس الحالي دونالد ترمب يعد جاكسون رئيسه المفضّل، ويعلِّق صورته فوق مكتبه!