د. حمزة السالم
وُضع مقياس الناتج المحلي، في منتصف عقد 1930، وذلك بناء على أوامر الرئيس فرانكلين روزفلت، حين كان الرئيس المبدع يقود بلاده خارج الكساد العظيم، من خلال إصلاح وتجديد النظام الاقتصادي الرأسمالي، بالتدخل المحسوب للحكومة في تحفيز العرض، وإصلاح سوق العمالة. فروزفلت كان بحاجة لمؤشر يحكم به على صواب إصلاحاته أو خطئها.
فغرض الناتج المحلي هو قياس حجم قياس اقتصاد الدولة. ويجب أن ينتبه إلى أن وسيلة قياس الناتج المحلي الحقيقي، هي كمية الإنتاج لا قيمة الإنتاج، فصناعة خمس طائرات قيمتها خمس ملايين، أعظم إنتاجا من صناعة طائرة واحدة مماثلة في العام السابق، وكانت قيمة هذه الطائرة عشرة ملايين دولار.
لذا نحن نعزل القيمة النقدية عن الإنتاج، وإلا فإننا لن نحصل على مقياس حقيقي دقيق للإنتاج ونموه. فمثلا، لو كانت الأحوال غير اعتيادية، فانخفضت أسعار القمح هذا العام؛ فأصبح سعر طن القمح لهذا العام هو دولار واحد، وقد كان سعره العام الماضي أربعة دولارات؛ فسيكون قيمة إنتاج القمح الحالي دولارين، مقابل أربعة دولارات قيمة إنتاج القمح العام الماضي، فبهذا يظهر لنا أن نمو الإنتاج لمزرعة القمح هذه السنة هو نمو سلبي بمقدار 100 %، رغم أن المزارع قد ضاعف كمية الإنتاج. لذا يُقاس النمو بالكمية وتحسب قيمتها تبعا لقيمة سنة مرجعية.
فغرض علم الاقتصاد هو الإنتاج الحقيقي من سلع وخدمات، لا إنتاج النقود. فالنقود لا تؤكل ولا تُشرب ولا تُركب ولا تُلبس، بل لا وجود ملموس لها، ولا قيمة لها في ذاتها. إنما هي مجرد اسم نسمي به الشيء، فتسمي حصانك بالبراق، ويسمي غيرك ابنه بالبراق، فالاسم لا حقيقة له في ذاته إنما فيما يدل عليه.
لذا فبالناتج المحلي يُقاس تطور الإنتاجية وتقدم اقتصاد البلاد. فنمو كمية الإنتاج يعتبر تقدما في الإنتاجية وزيادة في الثروة، إلا في حالة أن يكون الإنتاج موردا ناضبا كالنفط والغاز. وذلك بخلاف بناء مصاف جديدة واكتشاف الآبار وتجهيزها، فهذا يعتبر نموا حقيقيا. أما مجرد زيادة ضخ الإنتاج النفطي فهو في الواقع استهلاك للثروة لا زيادة لها؛ ولهذا فاقتصاديات النفط والغاز لها اعتبارات خاصة تختلف حتى عن اقتصاديات الموارد الناضبة، فما بالك باقتصاديات الصناعة والخدمات.
وبالناتج المحلي كذلك، يقاس مستوى ثراء الدول، وذلك بتقسيمه على عدد السكان، سواء أكانوا مواطنين أم أجانب. وذلك نابع من افتراض أن مجموع السكان، هم من قاموا بالإنتاج. لذا، فيجدر بنا هنا، أن ننتبه إلى أن دول النفط والغاز ونحوها، لا يكون مجموع السكان هم من أنتج الناتج المحلي، بل قد يكون غالب الناتج المحلي مجرد ثروة أورثها الله أهل البلاد، أي مواطنيها، لا ساعات عمل بشرية. فإن قيل: فماذا عن الدول المنتجة للفحم والنحاس والحديد ونحوها؟ فيقال: إنها لا تُعد كدول النفط والغاز، ذلك لأن صناعة التعدين تستهلك عددا كبيرا من العمالة، بخلاف صناعة النفط والغاز. لذا فتقسيم ناتج دول الفحم والحديد ونحوهما على عدد السكان، لا يعطي تصورا خاطئا عن ثراء دول التعدين.