محمد عبد الرزاق القشعمي
قابلت اللواء محمد بن صالح العصيمي بمجلس الدكتور حمود البدر الأسبوعي، وإذا هما يتحدثان عن والده صالح العصيمي وما قام به من جهود لافتة أثناء توحيد المملكة، ودوره في استتباب الأمن في اليمن والمنطقة الجنوبية وغيرها. وعن مقابلته حمود البدر عند زيارته عسير لإجراء مقابلات صحفية أثناء دراسته الصحافة بكلية الآداب - قسم الصحافة - بجامعة القاهرة عام 1961، وأنه استغرب مجيء صحفي من الزلفي، قال كلمته المشهورة ( طقت الساعة).
رغبت بالمزيد من أخبار هذا الرجل؛ فدعوت ابنه محمد بن صالح العصيمي، الذي عرفت منه أنه كان مديراً للدفاع المدني بالمنطقة الشرقية قبل تقاعده مؤخراً. دعوته لزيارة مكتبة الملك فهد الوطنية، والتسجيل معه ضمن برنامج التاريخ الشفهي للمملكة للتحدث عنه وعن والده؛ فاستجاب مشكوراً، وحضر بتاريخ 1426/10/20هـ. وقال إنه وُلد وتعلم في أبها، ثم انتقل للرياض للدراسة في كلية الملك فهد الأمنية؛ فعمل في مجال الدفاع المدني في أبها وغيرها حتى انتهى به المطاف بالمنطقة الشرقية، وبعد تقاعده عاد ليستقر بالرياض. وقال إن المهم هو التحدث عن والده صالح لأنه لم يأخذ حقه من الإعلام؛ فبدأ يروي ما يعرفه عنه، مع العودة لمجموعة من الأوراق والوثائق التي كان يحملها، قائلاً: إنه سبق لصالح الذكير أن كتب عنه في زاويته (الذاكرة الضوئية) بجريدة اليوم في العدد 9474 ليوم الاثنين 1420/2/9هـ - 1999/5/24م. وواصل حديثه عن والده:
وُلد الشيخ صالح بن مقبل بن عبد العزيز العصيمي عام 1310هـ الموافق 1892م ببلدة الزلفي في ظل جبل طويق بنجد وسط الجزيرة العربية.
وكان والده يمتهن الفلاحة؛ فبدأ صالح يساعد والده بالزراعة إلى جانب قراءته لدى المطوع في الصباح لتعلم القرآن الكريم وحفظه إلى جانب أشقائه الأكبر منه سنًّا عبد العزيز وعبدالله وأحمد.
«.. عند بلوغ صالح السابعة عشرة من عمره، وبالتحديد في شهر محرم 1327هـ/ يناير 1909م، سافر مع أحد التجار إلى الزبير بالعراق في قافلة من الجِمال بعد استئذان والده، وكان عمه الشيخ محمد باشا العصيمي من وجهاء الزبير وأحد كبار رجال الدولة العثمانية التي كانت تحكم العراق وقتها..». وكان عمه الشيخ محمد قد اشتهر بمواقفه الوطنية وخدماته الجليلة في الدولة، وله حظوة عند السلطان عبد الحميد (أبو الدستور العثماني) حتى أن شهرة الباشا العصيمي قد تخطت حدود العراق.
رحب الشيخ بالفتى، وأنزله منزلة ابنه، وهيأ له فرصة مجالسة زواره من زعماء ومشايخ العراق أمثال: طالب باشا النقيب رئيس وزراء العراق فيما بعد، والشيخ خزعل أمير عربستان، والشيخ محمد حسين المشري حاكم إمارة الزبير، ومشايخ قبائل مثل قبيلة السعدون والسويط وابن طوالة والسبهان؛ فازداد علماً وثقافة باحتكاكه بمثل هؤلاء، ومع ذلك كان يرتاد حلقات المساجد، ويتعلم المزيد مما ينقصه من العلوم والمعرفة مما أكسبه المزيد من الخبرة التي بدأت بمجالسة عمه وزواره؛ فصقلت هذه التجارب شخصيته، وبدأ عمه يعتمد عليه ويكلفه بالمسؤوليات؛ فأوكل إليه الإشراف على آبار المياه وخدمات القبائل في حدود إمارة الزبير.
وعندما دخل الإنجليز مدينة الزبير عام 1911 عند احتلالهم العراق أثناء الحرب العالمية الأولى، وتفكك السلطنة العثمانية التي كانت تدير أمور العراق السياسية، بدأ الإنجليز بالتدخل في الشؤون الخاصة وتغيير القوانين والأعراف مما أثار حفيظة المواطنين؛ فرفضوا وثاروا وطالبوا برحيل المحتل الجديد، وكان للشيخ محمد باشا العصيمي دور مهم في تأليب الأهالي ضد الإنجليز وسياستهم والتشهير بهم، مما اضطر السلطات إلى ملاحقة المعارضين ومواجهتهم بقسوة حتى ألحقت بهم الهزيمة، ولجأت بريطانيا إلى أسلوبها الاستعماري فصادرت أملاك العصيمي، وقررت إبعاده عن الزبير هو وأسرته إلى سوريا، فاحتج الأهالي وخرجوا متظاهرين يهتفون بسقوط الإنجليز ويطالبون بإبقاء العصيمي في بلده، فلم تفلح، بل غادر إلى سوريا، فطلب اللجوء السياسي، ولعب دوراً مهماً في التأثير على القبائل العربية القادمة من الجزيرة العربية والمرتبطة بالقبائل الموجودة بالشام والعراق، وتأليبها ضد الانجليز. وظل بسوريا حتى وفاته عام 1940م.
أما الفتى صالح الذي رافق عمه إلى سوريا فلم يستطع البقاء طويلاً في سوريا؛ فقرر العودة إلى الأحساء تزامناً مع دخول الملك عبد العزيز إليها عام 1331هـ/ 1913م. ذهب صالح للسلام على السلطان عبد العزيز وتهنئته فوجده على علم بما حل بعمه محمد باشا العصيمي؛ فسأله عن أحواله وصحته.
ومن هذه المقابلة وجد السلطان عبد العزيز في هذا الفتى نبوغاً مبكراً وحماساً صادقاً، ورأى في عينيه ذكاءً متوقداً وبوادر قدرة على تحمل المسؤوليات؛ ولهذا فقد طلب السلطان عبد العزيز منه الالتحاق بالعمل معه، فوافق مرحباً بهذه الثقة. ومن أولى المهام التي أوكلت إلى صالح العصيمي مرافقته المؤرخ والأديب اللبناني الأمريكي أمين الريحاني عند حضوره مؤتمر العقير بالأحساء في 1922/1/22هـ، فقد حضره الريحاني بصفته مؤتمراً عالمياً مهماً، يُعقد على التراب السعودي في ميناء العقير، وحضور محادثات السلطان عبد العزيز مع السير بيرسي كوكس. وقد تولى الريحاني تسجيل وقائع المؤتمر والترجمة بين المتحاورين.
وقد كلف الملك عبد العزيز العصيمي بملازمة الريحاني لمعرفته الجيدة وإلمامه بطباع أهل الشام والعراق، وقد ذكر ذلك الريحاني.
هذا وقد بدأ العصيمي تولي المسؤوليات بعد ضم الحجاز واستتباب الأمن بالأعمال الآتية:
- في عام 1347هـ عُين أميراً لينبع بدل الأمير إبراهيم النشمي.
- وفي عام 1348هـ - 1929م اختار الملك عبد العزيز العصيمي للعمل مع ابنه الأمير فيصل عندما كان نائباً للملك على الحجاز، وظل يعمل بالنيابة بكل جد وإخلاص حتى عام 1351هـ - 1933م.
- وفي عام 1352هـ 1934م أمر الملك عبد العزيز بتكوين جيش من المجاهدين من أبناء الزلفي قوامه خمسمائة مقاتل؛ لينضم إلى جيش الأمير فيصل أثناء دخوله اليمن، ووصوله إلى ميناء الحديدة. وكان على رأس جيش أبناء الزلفي الشيخ العصيمي، الذي أثبت قوته وجدارته مما مكنه من تعيينه أميراً لمدينة حرض الواقعة باليمن قريباً من الحدود السعودية بأمر من الملك عبد العزيز، الذي كلفه باستقبال القوات القادمة من القبائل الأخرى، وقد قام بتعمير قلعتين بمنطقة حرض لا تزالان باقيتين حتى الآن. وبعد انسحاب القوات السعودية من اليمن وعودة الجيش كلفه الملك عبد العزيز بالمساهمة في توطيد الأمن والاستقرار في تلك المناطق مع بداية العهد السعودي.
- وكُلف بمهمة مقابلة مندوب الإمام يحيى بن حميد الدين إمام اليمن عام 1353هـ، واستمرت مهمته حتى عام 1355هـ.
- وفي عام 1354هـ عُين أميراً لمركز بارق بمنطقة عسير.
- وفي عام 1359هـ عُين أميراً لمركزَي قنا والبحر حتى عام 1362هـ.
- وفي عام 1362هـ عُين أميراً لمنطقة رجال ألمع حتى عام 1364هـ.
- وفي عام 1366هـ عُين أميراً لمركزَي قنا والبحر مرة أخرى.
- وفي عام 1367هـ عُين أميراً لمحايل عسير حتى عام 1368هـ.
- وفي عام 1372هـ عُين أميراً لتثليث حتى عام 1374هـ.
- وفي عام 1374هـ تقاعد عن العمل الحكومي بعد خدمة 44 عاماً بالدولة، وكان عمره حينئذ أربعة وستين عاماً.
وكان الملك عبد العزيز يقدره ويستقبله بحفاوة وتكريم عند زيارته له، وكان العصيمي بدوره يحب الملك ويعزه إلى درجة كبيرة، تفوق الحد، وتزيد على المألوف. وكان حسب شهادة الأمير سلمان بن محمد آل سعود التي كتبها بتاريخ 1392/1/27هـ، وتوجد مصورة في كتاب (ينبع في عهد الملك عبد العزيز) لعبد الكريم الخطيب في الصفحة 122: «صالح بن مقبل العصيمي مندوباً للملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود فيما بينه وبين محمد باشا العصيمي الواسطة بين الملك والمذكور وفرنسا الموجودين في سوريا آنذاك للفترة ما بين 1337/2/25هـ حتى نهاية 1346هـ..».