أحلام الزهراني
لأول مرة يحدث أن يصبح مسلسل تلفزيوني حديث المجالس ومازال حتى الآن، على الرغم من انتهائه منذ فترة ليست بقصيرة، ألا وهو مسلسل (غصون في الوحل)، والذي أحدث أثراً لنقول إنه إيجابي، لما أحدثه من وعي لدى المشاهدين لمناقشته مشكلات اجتماعية لامست واقعنا المُر، وكشفت غصون عن حقيقة ما يُمارس في مجتمعنا لتسقط كل الأقنعة ويظهر للجميع الحقيقة، فما هي تلك المشكلات الاجتماعية؟! وكيف نستطيع حلها لإخراجنا من ذلك الوحل؟!
كل الذين أخطأوا في أحد جوانب حياتهم كان ينقصهم التربية، وكل الذين أُحبطوا، ضُعفوا، انتكسوا، سَرقوا، قَتلوا، سُجنوا كان ينقصهم التربية، إذاً التربية كلمة مُثقلة بتلك المسؤولية الكبيرة الواقعة على عاتق الوالدين، ونجد من يسمعها بين مُحبٍ لها لما جنته من ايجابيات وبين كارهٍ لها لما أحدثته من سلبيات في ذاته، لذلك فإن التربية نصف الفرد وربما جميعه لما يربطه من صلة وطيدة جداً بما يفكر فيه الإنسان أو يريده أو يفعله، فصلاحها من صلاح أفراد الأسرة وفسادها من فسادهم، تعتبر العبارات السلبية (أنتَ فاشل، أنتِ سيئة خُلق، أنتَ جاهل، أنتِ قبيحة) من أسباب سوء التربية، والتي تُخلق أشخاصاً عديمي الثقة بالنفس وعاجزين عن استغلال الفرص المتاحة لهم وخوض التجارب المختلفة، لعدم قدرتهم على تجاوز كل تلك العبارات السلبية بل وتحويلها إلى سلاح للتحلي بتلك السمة التي تُصعد به لسلم النجاحات.
المقارنة مع الآخرين (فلان أفضل منك، فلانة أجمل منك، فلان ذكي، فلانة مهملة) تلك العبارات تُشعل نيران الحقد تجاه الآخرين، وتجعل منهم أُناساً أنانيين يريدوا كل شيء جميل حتى يصلوا بالآخرين إلى محطة الحزن واليأس والإفلاس من كل الأشياء الجميلة، ليتحقق هدفهم وغايتهم في هذه الحياة، الانتقاد حتى في الأمور التي ليس للشخص يدٍ فيها، فلنفرق بين الانتقاد البناء والانتقاد الهدام فإما نُسْعِد وإما نُحْبِط، فالتربية هي الشعور بالأمان عند مصادفة الوالدين في أحد الأماكن العامة أو الخاصة، هي الشعور بالمحبة عند الجلوس سوياً أمام التلفاز، هي الشعور بالقوة عند اتخاذ قرار في أمر ما، هي الشعور بالخوف من الله أولاً ثم الوالدين، هي الشعور بالفرح للآخرين أولاً ثم لأنفسنا، هي الشعور بالانتزاع من عالم الضعف لعالم القوة، هي الشعور بالنجاح، بالمنافسة، بالإيجابية، فالتربية هي الأثر المنعكس على الأبناء سواء في الجانب الشخصي أو الاجتماعي أو الدراسي... إلخ، فإن كانت المبالغة إلى حد السوء أحدثت مشكلات نفسية كالشعور بالنقص، ثم مشكلات اجتماعية كالتجسس على الآخرين أدت إلى الرغبة في الانتقام لإشباع النقص الذي تولد من سوء تلك التربية، وإن كانت المبالغة إلى حد الحسن أحدثت مشكلات أشد خطورة، فالاعتدال في التربية من أهم وأفضل الطرق المستخدمة في هذا الوقت.
الفراغ سمٌ قاتل يسعى صاحبه لأن يفعل أي شيء يريده أو لا يريده لإشباع ذلك الفراغ الذي أحدث شرخاً كبيراً في ذاته، الفراغ سمٌ قاتل يعمي صاحبه عن عواقب ما سيفعله ويفكر فقط في كيفية الوصول لما يريده أو لا يريده دون تفكير أو تخطيط أو معرفة التفاصيل المتعلقة بذلك الأمر، الفراغ سمٌ قاتل يجعل صاحبه يرى الجانب المضيء من حياة الآخرين ويصبحوا أعداءه لأنهم القادرون على فعل ما لا يستطيع فعله والمحظوظون في كسب ما لا يستطيع كسبه والمتصفون بأجمل الصفات والتي لا يستطيع الاتصاف بها، ولكن الجانب الآخر وهو الجانب المُظلم تشبَّع بكل الأوجاع والصدمات وبكل العقبات والتحديات والتي يسعون لإخفائها ليكونوا بتلك الصورة الجميلة، الفراغ سمٌ قاتل يجعل صاحبه يبحث عن طرق خبيثة لهدم سعادة هؤلاء الأشخاص دون التفكير في أن مراقبة الذات واكتشاف عيوبها ومعالجتها واكتشاف ميولها وتطويرها واكتشاف المسببات وتجاوزها من أهم وأفضل الطرق المستخدمة في هذا الوقت.
العزلة عن الآخرين أكثر مُشكلة مميتة للقلب، فلا حياة دون وجود أشخاص حولنا، نقاسمهم يومنا، وقتنا، قهوتنا، حكاياتنا، ضحكاتنا، مشاكلنا، لنشعر بهم ويشعروا بنا، لنتبادل النصائح النابعة من خوفنا على بعضنا البعض، ونتسابق سوياً في الصعود لسلم النجاح ونسعد سوياً بما حققناه من إنجازات، فأنا أحدث الجميع دائماً وأقول (لكي تخلق لك بيئة مليئة بالأصدقاء بادر بالتحدث معهم، ولكي تسرق صديقاً مدى الحياة في موقف ما ضع بصمتهم) وهذه من أهم وأفضل الطرق المستخدمة في هذا الوقت.
ومضة:
أميتوا التربية السيئة القائمة على المقارنة، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، أطفئوا نيران الفراغ بكل ما أوتيتم من قوة واقتلوا العزلة التي تولد أمراضاً وأنانية، أظهروا حقيقة ما تعيشوه بكل ثقة وابتعدوا عن المظاهر الخداعة التي تقتل الراحة، حولوا نقاط ضعفكم لنقاط قوة لتنهضوا بأنفسكم دون أن تنتظروا من أحد مِنَّة، اكتشفوا ميولكم ومهاراتكم ورغباتكم الهادفة لتشغلوا فراغكم بكل ما تحبوا فعله، احذروا من كل المتاهات الصغيرة لتتجاوزوا جميع العقبات وتصلوا إلى ما تريدونه، واسعوا لتحقيق طموحاتكم وإنجازاتكم فالحياة منافسة لتكونوا نموذجاً يحتذى به.