محمد آل الشيخ
كثيرون، وخاصة من البسطاء والسذج، يعتبرون أن (التغيير) ضرب من ضروب الترف، الذي لا ضرورة له، وهذا غير صحيح إطلاقاً، فالماء - مثلاً - إذا لم يجر ويتحرك ويتغير يأسن ويعتبر ماءً آسناً تستوطنة الجراثيم والآفات، فالجريان شرط ضرورة لصلاحية الماء وحماية له من التعفن، وكذلك الأمر في أغلب شؤون الحياة.
والإنسان خاصة المحافظ يخاف من التغير، لأنه يرى التغيير مغامرة غير محسوبة العواقب، بينما أن التغيير مرتبط إرتباطًا وثيقًا بالتطور والأفضلية، فلا يمكن أن يتحقق التطوير والتحديث إلا من خلال التغيير.
والمملكة في هذه الأيام تمر بفترة تغيير تاريخية، ربما لم تمر عليها في تاريخها. وقد تحقق كثير من المنجزات في عهد الملك سلمان كنا نعدها يومًا ما أحلامًا، لم يكن يتوقعها أكثر المتفائلين، إلا أننا اليوم نتعايش معها، دون أن يكون ثمة ردود أفعال، فقد تقبلها الناس، بل احتفلوا بها والفرحة تغمر الكثيرين منهم. طبعًا هناك بعض المتحفظين، إما لأنهم مؤدلجون، أو لأنهم يخافون من كل جديد، وهؤلاء في الغالب جزء من كبار السن، وهم دائمًا يعارضون ما لم يألفوا عليه، ويرون سلبياته، لكنهم يجهلون جهلاً مطبقًا إيجابياته.
فالانفتاح على العالم، والتطبيع معه، أصبح ضرورة لا مناص منها. ولا يمكن اليوم أن تبقى متكلسًا، تعتمد كما كنت في الماضي على النفط، ونحن نعرف جميعًا أنه ثروة ناضبة، وربما يستغني العالم عنه في مدة أقل مما كنا نتوقعها، لذلك يجب أن نتلمس سبلاً من خلالها نستطيع أن نستغل مميزاتنا الاقتصادية النسبية بالشكل الذي يجعلنا لا نعتمد على النفط. ولكي نحقق هذا الهدف يجب أن نقتحم غمار المجهول ونذلل كل المعوقات والصعوبات التي تعترضنا، فالقضية قضية نكون أو لا نكون، والاقتصاد واستقراره وتعدد وتنوع قواعده الاقتصادية، أصبح اليوم هو (شرعية) بقاء الدول والسبب الأول لأمنها واستقرارها. كما يجب أن لا نسمع لأولئك المتزمتين، محدودي الأفق، الذين تعودوا على تعسير المسائل، ويظنون ظنًا لا يخالجه أي شك أن التزمت هو الوجه الآخر للدين، رغم أنهم لم يقرؤوا التاريخ، ولم يتخذوا منه موعظة، بل أن بعضهم يعتبر أن دولة (طالبان) هي الدولة المثالية التي يجب أن نقتفي أثرها، دون أن يسألوا أنفسهم كيف هي حالة طالبان وأمنها واستقرارها، ناهيك عن اقتصادها المزري، مع أن أفغانستان في الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم قبل المتأسلمين الظلاميين كانت تعتبر (سويسرا) الشرق.
نحن اليوم أمام مفترق طرق، إما الانفتاح والتحضر والتطبيع مع العالم لنبقى، أو أن نتحدى العالم المعاصر، ونسفه بمنجزاته، وتحضره، وننتهي كدولة طالبان.
ومهما يكن الأمر فإنني على يقين تام أن من يتذمرون اليوم من التغيير والانفتاح سينتهون حتمًا إلى ما انتهى إليه من رفضوا البرقية، واعترضوا على تعليم المرأة وعلى التلفزيون، وتصبح قصصهم واعتراضاتهم يومًا ما قصصًا مسلية نرويها لأحفادنا، وعلامات التعجب والاستغراب ترتسم على وجوههم.
إلى اللقاء