د. خيرية السقاف
ساعات فقط ويكون حجاج بيت الله العتيق بين يديه تعالى..
فوق ثرى عرفات الطاهر..
تحت سماء مكة المقدسة..
في قلب السعودية الأخضر..
على مقربة من جبل «الرحمة» المبارك...
حيث شهد حجة محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام،
سمع دعاءه، وأتم فيه هديه، وختم رسالته، «اليوم أكملت لكم دينكم ورضيت لكم الإسلام دينا»..
تعلم هنا المسلمون الاحتذاء به النبيُّ البشير النذير، وجعل الله فيهم الأسوة، والمساواة..
غدا يوم عرفة وما أدراك ما يوم عرفة..
هذا اليوم الذي يجتمع فيه المقبلون لأداء فريضتهم، ممن استطاع إليه سبيلا..
لكن هل كل من جاء له، وسيشهده غدا، وسيمتع بفريضته، وسيلتقي ربَّه المهيمن على سمائه الدنيا، مقتربا منه، باسطا له رحمته، فرحا بتوبته، بإيمانه، بإقباله مستطيعًا لولا فضل الله عليه ثم هذا الحشد من التسهيلات التي عملت من أجل توفيرها له «هذه البلاد السعودية» بكل عناصرها؟
إذ منهم من جاء ضيفًا مدعوَّا مكرَّما، ومنهم من بسطت له الوسيلة، وقُرِّبت منه السبل، ومنهم من حُمل بحاجته دون عناء، ومنهم من نزل بوهنه من غير ضعف كل الطرق له ممهدة، وكل حاجاته مقضية..
أكثر من ستمائة كاميرا تراقب سيره كي لا يتيه، أو يضل ولا يتعثر، وأكثر من مليون مرافق يشاطره خطوته..
تعينه الأيدي، وترشده الألسنة بلغاته، وتشرع له المصحات بأطبائها، ويشرع له الإيواء، وتقام له المظلات، وتتنوع له الوجبات بأغذيتها، وخضارها، وفاكهتها، وتقدم له السقيا بروائها، وزخاتها..
غدا، الحج لله لا للبشر..
غدا الحج خدمة رحبة بأريحية قادة حكماء، لا يتوانون عن إيلاء بيت الله الحرام، وقاصديه عنايتهم ورعايتهم، واهتمامهم..
يؤدَّى فيه التكليفُ بخدمته بدقة، فتُسخَّر له المقدرات مالا، وبشرا، وخططا، ونُزُلا، ووسائل..
وأفرادا مكلفين، وآخرين متطوعين، جندا، وأفرادا يدركون أهمية قدسية رسالته، وتفرد هذا الوطن وحده بها..
غدا الحج لله وحده كما سيجد كل حاج..
غدا لا سياسة تفرق بين قادم للحج وآخر، ولا نوايا تقصى عن العناية بكل قاصد أرض هذه البلاد في ركنها المقدس، للحج الأعظم..
غدا،
ليجعله الله قبولا حسنا، وبِرا ميسورا، ومغفرة وتطهيرا، ورضا وشكرا،
تُعمر فيه القلوب بالشكر والفرح، وتُملأ الصدور بالاطمئنان، والصفاء،
مُستجاب لهم الدعاء، مغفورة لهم الذنوب، يتطهرون من الأدران، على كلمة التوحيد،
غدا في فضاء عرفات تسجد كل الجباه لله وحده تعالى، وترفع كل الكفوف إليه وحده تعالى، ويخرجون برحمته تعالى من الهموم كيوم ولدتهم أمهاتهم على نقاء، وفطرة، ومساواة..
غدا يوم الإفضاء، ويوم القبول بمشيئة الله..
فالحج «مبرور»، والسعي «مشكور»، والله وحده القريب المجيب الغفور..