د. فوزية البكر
بعد جدل طال أمده أقرت الجهات العليا في بلادنا إجراء بعض التعديلات على نظام وثائق السفر وعلى نظام الأحوال المدنية بما يتيح للمرأة السعودية ما فوق سن الواحدة والعشرين استخراج جواز السفر دون الرجوع للولي والسفر دون الحاجة إلى إذنه كما حدد قضايا السفر في الحضانة والقصر والمتوفى وليهم.
وشملت التعديلات أيضا قضايا قد تبدو هامشية لبعضهم لكنها في غاية الأهمية للمرأة وخاصة المطلقة أوالتي تعاني من عضل أقربائها إلخ من المشكلات التي وضعت الأنظمة لتقرير حق العدالة فيها، فعلى سبيل المثال التبليغ عن المواليد الذي كان قصرا على الولي في حين أن المرأة هي من تلد، ولم يكن يحق لها التبليغ عن ذلك! وتخيلوا لو كان هناك صراع ما بين الزوجة وأحد أوليائها زوجا أو أخا إلخ حيث كان النص السابق يقول (والد الطفل) واليوم النص يقول: والدا الطفل فهل هذا كثير على من تلد الطفل نفسه؟ كما شمل التغيير حق التبليغ للولادة ليشمل الذكور والإناث الأقرب درجة بعد أن كان قصراً على الذكور (؟) كذلك التبليغ عن الوفاة التي شملتها ذات التعديلات لتكون المرأة البالغة ضمن القادرين على التبليغ وليس الرجل فقط كذلك منحت المرأة حق الحصول على سجل الأسرة من إدارة الأحوال المدنية بعد تعديل النص ليصبح (أي من الزوجين) بعد أن كان الزوج فقط، وهذا سيحل مشاكل الكثير من المطلقات اللاتي يعضلهن بعض طلقائهن فلا يعطونهن سجل الأسرة، ومن ثم ترفض المدارس إلحاق الأطفال إلى غير ذلك من المشاكل التي تواجهها بعض النساء في حال غياب سجل الأسرة.
ما فعلناه في 1- 8 - 2019 هو خطوة أولى في مشاوير الألف ميل لإصلاح الخطاب الذكوري داخل الأنظمة السعودية والذي صيغ في زمن مختلف وبمعطيات ثقافية وتاريخية مختلفة، واليوم نحن على عتبة تاريخ جديد يفتح أبوابه لنا للانضمام الى العالم المتحضر الذي يؤكد على الحقوق المتساوية للجنسين مع اختلاف الواجبات والتوقعات الاجتماعية والثقافية.
بهذه الخطوة التاريخية تؤكد المملكة العربية السعودية نظرتها الحقوقية الجديدة للمرأة كمواطن كامل له مثل ما عليه من الحقوق والواجبات، وفي ذات الوقت يرمز القرار إلى الخطوات الإصلاحية الكبيرة التي تقوم بها المملكة في ظل مليكنا الحبيب سلمان وولي عهده الأمين محمد بن سلمان، وبما يتماشي مع المعاهدات الدولية التي وقعت المملكة عليها والتي تؤكد على منع التمييز بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد الديني إلخ من الفروقات التي أوجدها الله بين البشر لحكمة يعلمها وغالى البشر ذواتهم (كما عادتهم) في إيجاد مسببات التمييز التي خلقت الحروب والصراعات سواء بين الرجل والمرأة أو بين الشعوب والثقافات.
اليوم تبدو المملكة العربية السعودة شابة رشيقة سريعة الوثب إلى الأمام، فداخلها ورشة بناء هائلة تغطي كافة المجالات لخلق سعودية جديدة همها النظر إلى الأمام، وأن تكون قادرة على حماية مستقبل أبنائها في عصر زادت الصراعات فيه على كل الموارد ولتكون في صدارة أمم العالم حين تستثمر في أبنائها وبناتها دون تمييز، وحين تصلح من أبنية أنظمتها الداخلية ليجد كل سعودي رجلا كان أو امرأة اللحظة المناسبة للدراسة والعمل والتنقل متحملا نتائج أعماله باعتباره بالغا عاقلا، كما في كل دول العالم.
يتبقى بعد ذلك الإرث المحلي والثقافي في علاقة الرجل والمرأة بموضوع الولاية الذي سيخلق لغطا وتحديات داخلية واسعة بين الرجال والنساء حتى يستتب الأمر ويعتاد الناس عليه، كما في موضوع قيادة المرأة للسيارة، وهذا موضوع ثقافي واجتماعي كبير نتناوله الأسبوع القادم بإذن الله.