إبراهيم بن سعد الماجد
وما الدَّهرُ إلا جامعٌ ومفرِّقٌ
وما الناسُ إلا راحلٌ ومودَّعُ
فإنْ نحنُ عِشنا يجمع اللهُ شملنا
وإن نحن مِتنا فالقيامةُ تجمعُ
لم أكن الوحيد، المتألم على فراق هذا الأمير التقي النقي، فكيف بالأبناء والبنات لا شك أن فراق هذا الأب أكثر ألماً وقسوة على قلوبهم، رغم تقدمه في السن واعتلال صحته، وما ذلك إلا لأنه كان قلباً متذللاً لله، قانتاً راكعاً وساجدا، وهنا مكمن الفقد، حيث دعاء الأب الذي وعد الله بإجابته.
كأني بأبناء راحلنا الفقد يتمثلون بقول الشاعر:
فليتك في جفني موارًى نزاهةً
بتلكَ السجايا عن حشايَ وعن ضِبْنِي
ولو حفروا في درةٍ ما رضيتُه
لجسمك إبقاءً عليه مِن الدفنِ
قبل فترة من الزمن كتبتُ مقالة عنه - رحمه الله - تحت عنوان: من رموز الوطن.. بندر بن عبدالعزيز قلت فيها:
(هذا رمز نال هذه الرمزية من كونه أحد أبناء مؤسس هذا الوطن الكبير، تربى على يديّ والده ونال من شرف حكمته وحنكته، وكونه رجل تقي ورع نظيف اليد واللسان، عصف بالناس عواصف متعددة وهو ثابت على دينه، مراقب لربه، محب للخير ومقرب لأهله.
نال هذه الرمزية بتربيته لكل من هو تحت يديه من أبناء وبنات، بل لا أبالغ إذا قلت من موظفين وعاملين ومجالسين، التربية الصالحة، فكانوا مثالاً بأخلاقهم، عرفت بعض الأبناء شخصياً وجالستهم فكانوا حقاً أخلاقا تمشي على الأرض، نال هذه الرمزية بما يحمله من تاريخ عن هذا الوطن ورجالاته ومعرفته بأدق التفاصيل التي تعني لمن يسطر التاريخ الشيء الكثير.
إن الرجال الرمز لا يمكن أن يكونوا إلا مختلفين في أمور غير متمكن منها الآخرون، ليس عجزاً ولكن هي حظوظ النفس التي تؤخر صاحبها أحياناً عن أن ينال منزلة أعلى مما يسير عليه الناس.
في زيارات متكررة مع سمو الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود لأميرنا الرمز - بندر بن عبد العزيز - استمعت من سموه إلى شيء من تاريخ هذا الوطن ورجالاته وتمنيت أنني ظفرت بمعرفة مجلسه قبل عقود لأدون تاريخاً شفوياً في غاية الأهمية).
أتذكّر على سفرة العشاء معه - رحمه الله - كيف كان يتفقدنا ويشير علينا بأخذ هذا أو هذا بروح أبوية حانية، لا تملك معها إلا أن تستشعر البنوة.
يا للفقد أيها الراحل الكريم.. كريم في الأرض وفي السماء برحمة أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
الجميع راحل، مسألة إيمانية لا يشكّ فيها مؤمن، لكن الفرق بين راحل وآخر مثل ما بين السماء والأرض، بل والله ربما أعظم وأعظم، فمثل بندر بن عبد العزيز نبكيه ونحن على ثقة بأن الله مضيفه رحمته، فالناس شهود الله في أرضه، وبندر بن عبد العزيز الكل يشهد له بالخيريّة منذُ نشأته إلى يوم وفاته، صالح مصلح.. صالح في نفسه مصلح من حوله، حتى جلساءه اتصفوا بالأخلاق الفاضلة والالتزام الديني ظاهراً وباطناً، تتعطر مسامع مجالسيه بآيات القرآن الكريم وحديث رسول رب العالمين عليه أفضل الصلاة والسلام، يقول القول فيشدّك بدقة نقله، ويأسرك بلطف عبارته، لسانه دوماً لله شاكراً وحامداً, عرفوه العلماء والأتقياء فأحبوه ووصلوه, ولم يعرفه آخرون ولكنهم كانوا لسيرته ومسيرته عارفين فذكروه بالخير في حياته, وأكثروا له من الدعاء يوم وفاته, من لمثله أن يظفر بهذا الفضل العظيم؟
حتميّة الرحيل تجعلنا نقول:
غير مجدٍ في ملتي واعتقادي
نوح باك ولا ترنم شادي
ونردد مع أبناء وبنات الفقيد الكبير بندر بن عبد العزيز قول أحمد شوقي:
أنا من مات ومن مات أنا
لقي الموت كلانا مرتين
نحن كنا مهجة في بدن
ثم صرنا مهجة في بدنين
رحم الله بندر الخير والتقوى, وأعظم الأجر لمن تجرع الأسى وكتب له أجر الصابرين.