عبدالوهاب الفايز
من عرف الدكتور عبدالرحمن الشبيلي، يرحمه الله، وأراد أن يقف مستذكرًا موروثه المهني والعلمي سيكون أمام محطات عدة وأمور كثيرة. وأنا هنا أجد أن رحيله المفاجئ المؤلم لذوية ومحبيه وتلاميذه يستدعي التأمل و(التوثيق) لموقفه من الصحافة المحلية التي تواجه الآن أوضاعًا صعبة. موقفه يعطينا المبرر الموضوعي لأن نقول إن الراحل كان (رجل دولة)، جمع في شخصيته التواضع، والعلم، والتجربة، وحب التاريخ والأدب، والحكمة والتسامي عن الصغائر.. والأهم: النظر الدئم إلى المستقبل، ماذا يحمل من فرص وماذا يقدم من تحديات، واستشراف المستقبل والتأمل في الأفق البعيد، بتجرد، من أبرز مميزات رجل الدولة.
على مدى السنوات الطويلة التي قضاها في الإعلام مشاركًا فاعلاً ثم مؤرخًا وباحثًا، كان الراحل الكبير معروفًا بـ(دفاعه عن مستقبل الصحافة كمهنة وممارسة). في السنوات التي قضاها قريبًا من المؤسسات الصحفية أدرك أن وضعها الفاقد للتجدد والإبداع سوف يقودها إلى التدهور، وفِي محاضرة له في النادي الأدبي بالرياض في فبراير العام الماضي دعا إلى (ضرورة إلغاء المؤسسات الصحافية وتحويل ملكية الصحف إلى شركات، كمقدمة ضرورية لإنقاذها من المتغيرات الاقتصادية).
هذه الدعوة طرحها قبل عشر سنوات في مواقع ومناسبات عديدة، وكان يرى أن نظام المطبوعات كافٍ لأن (يحكم المحتوى الإعلامي)، بينما نظام الشركات يحكم الجوانب الأخرى للإدارة والملكية. وكان له رأي موضوعي حول نظام المؤسسات الصحفية، فهو يرى أن نظام المؤسسات يعاني من وجود (ثغرات صارت بعض القيادات التحريرية تنفذ من خلالها للسيطرة على شؤون المؤسسة والتحكم في أمورها، كما صارت بعض المطبوعات الصحفية في السنوات الأخيرة تقع تحت سيطرة الإعلان ونفوذ الشركات المعلنة، مما صار يحجب أي نقد صحفي يمسّها).
هذه الرؤية العميقة المستشرفة للمستقبل لم تجد من يستمع لها، وهذا من سلبيات تأخر الجهات الحكومية المنظمة والمشرِّعة للمهن والنشاط الاقتصادي لإدراك مخاطر وتحديات المستقبل، والإعلام السعودي يتراجع عن دوره الكبير الضروري بسبب تراجع قدراته البشرية والمادية، وكان بالإمكان تدارك هذا الوضع منذ سنوات قبل دخول صناعة الصحافة مرحلة جديدة متغيرة تمامًا، أي عدم ترك قيادات المؤسسات وجمعياتها العمومية العاجزة تقرر مصير صناعة مهمة وحساسة للمجتمع وللدولة.
لقد أصر رحمه الله على موقفه هذا، وظل يقدم له الأدلة والحيثيات حتى لا يأتي من يظن أنه ضد وضع معين أو ضد أشخاص بعينهم. كان همة نجاح المؤسسات الصحفية وتطور مخرجاتها، وكان أيضًا يقدم مخاوفه على مستقبل الإذاعة والتلفزيون، كأحد مكونات الإعلام السعودي، والتي تشهد أيضًا تراجعًا واضحًا في مخرجاتها، أي أن همه كان منظومة الإعلام السعودي، وبالنسبة لمؤرخ عرف وعاصر تطور الإعلام السعودي وشاهد نجاحاته وأهمية إسهاماته في تطور المجتمع والدولة.. مؤكد أن يزعجه ويؤلمه رؤية منحنى التطور للإعلام يأخذ المسار السلبي بعكس ما يتطلع إليه.
رحم الله أبا طلال، كان بيننا يفرض حضوره، وينثر حبه وتقديره لكل من عرفه وتعامل معه، ويوم الصلاة عليه لم استغرب توافد جموع المشيعين والمودعين، كان أبو طلال فقيد الجميع، كل يعزي الآخر!
وصدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي قال: (إنَّكم لن تسعوا الناسَ بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسطُ الوجه، وحُسن الخلق).
هكذا كان الراحل، دائم الابتسامة، متهلل الوجه (كأنك تعطيه الذي أنتَ سائله)، وما أجمل حسن الخلق.