علي الخزيم
قبل أيام كان يتشكّى ويتذمر من أن الراتب لا يكفي مصاريف الشهر والعيد بما فيها قيمة الأضحية، كان يُعبِّر بذلك لأصحابه وهم يحتسون قهوتهم المسائية بأحد المقاهي الفاخرة بأرقى أحياء الرياض، وقهوتهم هذه تأتي بعد أن تناولوا ببيوتهم القهوة والرطب بين العشاءين، إلا أن سطوة المظاهر وشهوة التميز تجبرهم للتوجه لتلك الأماكن بخدماتها عالية القيمة؛ لكنه الإنسان إذا رغب بشيء تجاهل تبعاته، وهكذا بالمثل حينما يأتي موسم الأضاحي تجد مثل هؤلاء يتفاخرون بشراء أطايب الخراف ولا يكتفون بأضحية واحدة (له ولأهل بيته) اقتداء بخير البشر، هنا تغلب عليهم المظاهر وقشور التميز، لأنه سيكون مساء العيد بين الجماعة والرفاق أو الشلة؛ فماذا سيقول لهم؟! أيليق به -وهو يرى بنفسه أنه فلان- أن يقول إنه ذبح واحدة فقط! هذا لا يليق إلَّا بالرعاع، لكنه وهو بكامل أناقته بالمجلس ويلعب بسبحته قد أخفى -وأغلبهم كذلك- أنه قد استدان أو استلف قيمة الأضاحي؛ وهنا مربط الفرس كما تقول العرب، فما الذي يجبرنا على التباهي الزائف والشطط بمصاريفنا والله سبحانه أرسل رسوله المصطفى بشرعه الحكيم المُيسر.
فالأضحية سُنَّةٌ؛ وهي لا تُشْرَعُ عن الميِّتِ استقلالاً ولم يَرِدْ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا عن الصَّحابة ولا عن أحد من السَّلَفِ أنَّهم ضَحَّوْا عن الأموات استقلالاً، ومن ضحى عن الأموات دون وصية أو سبب شرعي فهو (ربما) يُعَدُّ من باب المباهاة والمُفاخرة لأن تحرِّي الفضل والأجر والأسلم بهذه الشعيرة وغيرها يكون بنهج الرسول الكريم وصحبه الكرام والتابعين وبما يفتي به الأئمة كابن عثيمين وابن باز ومن بدرجتهم.
وإذا اعتمدنا على إحصائية سكان المملكة للعام 2018 ونسبة الزيادة فإن الرقم هو 34م وإذا افترضنا أن متوسط تعداد الأسرة 5 واستبعدنا نسبة الأسر العاجزة عن نيل الأضحية؛ فإن التعداد التقريبي للأضاحي (غير الهدي بالحج) يكون خمسة ملايين أضحية يزاد عليها رقم التفاخر لمن يُضحي بأكثر من واحدة، وربما ضَحَّت أسرة من خمسة أفراد بثلاث شياه (الشاة تطلق على الذكر والأنثى)، فلنتبين الآثار الاقتصادية من الأرقام، وان كان اللوم يُوجَّه للمقتدر المليء إن هو بالغ بعدد الأضاحي؛ فإن اللوم يكون مضاعفاً لغير القادر صاحب مقولة (الراتب لا يكفي الحاجة)! فهذا كان بإمكانه توفير جزء من مرتبه أو دخله الشهري لمثل هذه الاحتياجات والطوارئ؛ فبالإمكان أن نكون مواطنين ناجحين نعيش حياتنا بطبيعتها بما يَسَّر الله لنا من رزق ومستوى معيشي، وقيمة الإنسان لا تكمن بمظهره وبَهْرَجَته الجوفاء ولا باندفاعه الاستهلاكي الفوضوي، انظروا إلى كثير من شعوب الأرض حيث يتقدمون علمياً وتقنياً وحضارياً دون ممارسة قشور المظهر وزيف المنظر، فثقة الإنسان بنفسه وقيمته لا تخضع لتلك المفاهيم الزائفة الزائلة لا محالة؛ فتقدم الشعوب كفيل بطمس كل مظهر لا يتماشى مع قِيَمها الحضارية وإنجازاتها التنموية.
تبقى الأضحية من شعائر الله غير أن الاتزان مطلب شرعي كذلك، وللأصمعي:
إِنَّ النصائحَ لا تخفَى مَناهِجُها
على الرجالِ ذوي الألبابِ والفهمِ