د.فوزية أبو خالد
في الحياة اليومية العادية حين ينجو إنسان من خطب مؤلم جلل يقال كتب الله له عمرًا جديدًا. وفي الثقافة عندما ينجز عملاً معرفيًا مميزًا في مجال العلم أو الأدب يقال عن العمل علامة فارقة. أما في السياسة فحين يمر حدث جسيم أو حين يتخذ قرار بات يقال: إنها لحظة تاريخية أو أنه حدث تاريخي بما يعني أنه حدث أو قرار مفصلي بين ما قبل وما بعد.
وبهذا المقياس المفصلي فإن القرارات التي أصدرها صاحب القرار متمثلاً بأعلى سلطة تشريعية وتنفيذية للبلاد وهي سلطة القيادة ممثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان تقع بجدارة موقع الخط الفاصل بين ما قبلها وبين ما بعدها. وعلى مفارقة المثالين الأول والثاني أي النجاة من وضع مؤلم جلل أو وضع علامة فارقة، فكلاهما ينطبق على ما قبل وما بعد قرارات الأسبوع الماضي 2 - 8- 2019 والواقع أنه من خلال متابعة مجتمعنا بالمعايشة اليومية اللصيقة والمتفاعلة والشغوفة بالشاردة والواردة فيه منذ أن وعيت نفسي وحملت قلمًا وعرفت معنى الوطن وأحوال البلاد والعباد وأيضًا من خلال المتابعة غير المباشرة الشفهية من كبار السن والمكتوبة من أمهات الكتب قديمها وحديثها لماضيه منذ التاريخ الأول لتأسيس المملكة العربية السعودية، إضافة لمعرفة الإيقاع المحافظ إن لم يكن البطيء لحركة التحولات عمومًا وعلى مستوى اتخاذ قرارات ذات طابع جذري، فإن ليس من الصعب استرجاع عدد من القرارات الإيجابية التي شكلت تاريخًا لم يمكن تسميته السعودية ما قبل والسعودية ما بعد في مسيرة بناء دولة ومجتمع.
ومن تلك القرارات:
قرار لم الشمل القبلي والمناطقي والتحول عام 1932م إلى مملكة واسعة وموحدة الأطراف بقيادة المؤسس الأول الملك عبدالعزيز، قرار بناء دولة على طراز عصري بما فيها إدخال التكنولوجيا المعروفة وقتها من كهرباء وبرق وبريد وهاتف وسيارات وآليات، وصحافة وإذاعة، قرار التصريح للشركات الأجنبية بالتنقيب عن النفط والفسح بإنشاء شركة أرامكو بالشرقية في كينونة إدارية وإنتاجية مستقلة، قرار تعميم التعليم النظامي وفقًا لنظام تعليم حديث وبعده قرار التعليم الجامعي للبنين، والقرار اللاحق بتعميم تعليم البنات النظامي وفيما بعد الجامعي، قرار قطع البترول عن الدول الغربية المستوردة للنفط على أثر ما عرف بحرب أكتوبر 73م.
أضم لذلك عددًا من القرارات المباركة لعهد الملك عبدالله يرحمه الله ومنها قرار الابتعاث مساواة بين البنين والبنات، وقرار الحوار الوطني داخليًا، وقرار دخول المرأة لمجلس الشورى والبلديات مع حضور غير مسبوق لنخبة من النساء صوتًا وصورة في الإعلام.
أما اليوم فأستطيع أن أقول بثقة إن القرارات الموفقة الأخيرة في عهد الملك سلمان والتي اقتضت إعادة الاعتبار الإنساني والوطني للمرأة السعودية كإنسانة عاقلة راشدة مكلفة ومسؤولة عن ولاية أمرها بنفسها تقف على قدم المساواة في الأهمية وفي المفصلية كعلامة فارقة بين تاريخين، مع قرار القرارات في عهد الملك فيصل في الستينات الماضية وهو قرار إيقاف الرق وإعادة حق الحرية والمواطنة والاعتبار للمواطنين الذين كانوا يعيشون على أرض هذا الوطن باعتبارهم مواطنين كاملي الأهلية.
وعلى قد ما يبدو للبعض من قسوة المقارنة التي ربما لا تخطر على البال للوهلة الأولى فالحقيقة أنه هذا هو واقع الحال وطبيعة وأهمية هذه القرارات. فناجم هذه القرارات وإن بدا بديهيًا في مجتمعات أخرى بتحديد سن الرشد للنساء والمسؤولية عن الذات، فإنه بالنسبة للسعوديات يعد مع قرار الهوية الوطنية للنساء عام 2006 وقرار قيادة المرأة للسيارة عام 2018م وقرار تمكين النساء عمومًا وفي مواقع قيادية (سفيرة بالولاية المتحدة الأمريكية) بمرتبة حلم تحقق بعد معاناة ودفع أثمان لازال جارياً وجهد جهيد ودعوة استجابها الله ونقطة تحول ليس في حياة النساء وحسب، بل في حياة وطن. وهو وطن يتطلع لمرحلة متجددة من الإصلاح والمصالحة الوطنية والبناء بكل قواه الاجتماعية وبكامل طواقمه وطاقته الوطنية وبكل من دق قلبه وقلبها بحب هذه الأرض وعاش وشارك في قلق هذا الحلم وكفاحه إلى أن جعل الله بيد قيادة هذا العهد قرار تحويله إلى حقيقة وطنية منشودة. أما مسؤوليات تحقق هذا الحلم وأبعاده السياسية والاجتماعية والثقافية علينا دولة ومجتمعًا، نساءً ورجالاً قيادة وقوى اجتماعية فهذا ما أنوي قراءته في مقال قادم.