فوزية الجار الله
كنت أود الكتابة لذا فقد أنهيت بعضاً من الأمور المنزلية الهامة واتجهت إلى المكتب وبكل ما بي من رغبة وإصرار أغلقت الباب خلفي.. وضعت جهاز الحاسب الآلي الشخصي جانباً بعد أن أوصلته بالكهرباء واطمأننت على وضعه في حالة الاستعداد، شرعت أنسق مجموعة الكتب التي جمعتها من هنا وهناك، بعضها أحضرتها مباشرة من أرفف المكتبة والبعض الآخر كانت في غرفة نومي منذ أيام، والأخرى كانت تحتل موقعها مسبقاً في جانبي على طاولة المكتب.
تصفحت بعض الكتب ثم تذكرت طفلي الصغير الذي لم يتجاوز الخامسة من العمر لابد من الاطمئنان عليه فقد استغرق في النوم حالما قدمت له الدواء لابد من متابعته.. عليّ ألا أنسى موعد الدواء، لذا فقد رسمت على الورقة أمامي تلك الصورة التي يضعونها لتشير إلى الصحة والعقارات الطبية رسمت كأساً زجاجياً بساق رفيع يلتف حوله ثعبان، رسمته سريعاً، لا أعلم لماذا لجأت إلى الرسم بدلاً من الكتابة ربما للتنفيس عن ألمي وربما لسرعة الإنجاز، أنهيت الصورة ووضعت بجانبها كلمة واحدة « لا تَنْسي» أوجهها لنفسي.
أخذت نفساً عميقاً وامتدت يدي إلى كتاب آخر مترجم بعنوان: (البحث عن الزمن المفقود لمارسيل بروست) كأنما أحاول من خلاله مساعدة نفسي للبحث عن زمني المفقود، تصفحته قليلاً ثم نحيته جانباً والتقطت آخر، هو واحد من أجزاء الكتاب التراثي (العقد الفريد) هل ثمة قراء لمثل هذه الكتب في زمننا المعاصر؟!.. تأملت حولي ثم تذكرت أمراً هاماً حالما أمعنت النظر إلى السطور الفارغة أمامي تذكرت أمي التي لم أزرها منذ أسبوع، ربما أكثر، لانشغالي طوال الأيام الماضية، بمرض طفلي مؤخراً على وجه الخصوص.. لابد من زيارتها بأسرع وقت، الليلة أو غداً كحد أقصى.. رسمت صورة لقلب ضغطت على حدوده قدر الإمكان كان رمزاً للحب العظيم/ أمي، كتبت بجانب الصورة « لا تنسي « سوف أتذكر حالما أضع عيني على صورة القلب، ثم استدركت: هل ستتذكرين في خضم هذا الزحام؟!.. القلب يشير إلى الكثير من المعاني، دونت بجانبه بالقلم الرصاص «أمي».
تلفت حولي، تمنيت فنجاناً من القهوة، ليت العاملة المنزلية تأتي به إليّ حالاً، ليتي أقتني عاملة طيبة نشيطة أنيقة، مع الأسف لم يعد في بيتي عاملة تساعدني وتعتني بشؤوني المنزلية، لم يعد لدي عاملة منذ ثلاث سنوات مضت فقد أصبحت أموري المادية أكثر صعوبة ولم أعد أحتمل راتب عاملة!.
أخذت نفساً عميقاً، شعرت بألم طفيف في حنجرتي، صحوت هذا الصباح وقد رافقني هذا الألم وقد نسيت تناول عقار شعبي بسيط تعلمته من أمي.. آه.. تأملت الورقة أمامي وقد امتلأت بالرسومات والكلمات بالقلم الرصاص، رفعت رأسي إلى السماء، تمتمت بدعاء قصير، تأملتني، أحاول استعادة الإطار والصورة الكاملة التي تحيط بي.. نعم، كنت أود أن أكتب، منذ أيام وليالٍ، منذ الأمس وهذا الصباح أيضاً كنت أود أن أكتب.
** **
* قصة قصيرة