عبده الأسمري
الثقافة مفهوم.. وفهمها وظيفة. تظل سلوكًا «حضاريًّا» و»مسلكًا» راقيًا في شتى ميادين الحياة..
ويبقى الإنسان شاهد عيان ومستشهد مرحلة في ظل التغيرات والمتغيرات من حيث المحتوى والمنتج، ومن خلال المأمول والواقع.
ولكن.. هذا المفهوم العريق الدقيق.. الحقيق بالوصف.. الشيق التوصيف، يحتاج إلى «تفصيل» لأدواته.. و«تأصيل» لتاريخه.. حتى يكون سلوكًا يسير في مسالك، يصل من خلالها إلى حيث المنطق.
اختلط مفهوم الثقافة لدينا بالتنظير الذاتي والتسطير الشخصي حتى رأينا مَن يتقمص ثوبها، ويتلبس رداءها، وهي بريئة منه؛ فلا نسبة ولا تناسب بين «فاقد الشيء» و«توهم المشيئة».
نرى من يسطر في «بايو» حساباته مسميات «ثقافية» مشخصنة، تميل إلى كفة «الكذب»، وتؤول إلى قطبية «الوهم».
تستضيف بعض المنصات متثقفين يملؤون ساحات «الأدب» بشوائب «السذاجة» و«ملوثات الجهل»..
يسقط بعض المثقفين في دائرة تصفية الحسابات فينثرون إيحاءات «الشخصنة» على صفحات «الثقافة»؛ فتتلاشى «عزائم» الحرفة حتى تتهاوى إلى جُرف هارٍ ينهار في قعر «الهزائم».
يتمادى بعض الدخلاء على الثقافة بتوهم «التطبيل» فيرتمي في «وحل» الغرور؛ ليبقى حائرًا في أرضية بائسة مهتزة، لا تعرف الإثبات، ولا تعترف بالثبات.
يحاول البعض أن يجادل بغير علم، ويتجادل دون حجة؛ فيسير عكس «سواء السبيل» مخالفًا لسبيل السواء؛ فيظل في حالة من «عدم التوازن العلمي» و«عدم الاتزان المعرفي» محولاً «ثقافة» الحوار إلى «جدل عقيم»، يُسقط صاحبه في «حيل» الإسقاط وويل «الإحباط».
يحول «نفر» من المتناظرين في «قضية ثقافية» طاولة الآراء إلى تراشق وتلاسن في إطار «بائس» من العزة بالذات والاعتزاز بالأنا؛ فتتجه بوصلة «النقاش» إلى «قِبلة» مجهولة، وتستدير حركة «التناقش» في «حلقة مفرغة»، وتستعيد المشكلة «سيرتها» الأولى من الجمود والتجمد.
يضطر بعض «المهووسين» بحرفة «الثقافة» دون امتلاك أدواتها إلى مخالفة أخلاقيات «الأدب»، ومعارضة «أساسيات التأدب»؛ فيقعون في سوءات الإدانة بسرقة العبارات أو سلب «النصوص» أو نهب «الأفكار»؛ فتتحول حينها «الساحة الثقافية» إلى دوائر فساد ثقافي مؤلم، يسيء للمبدأ، ويشوه المنطلق.
يجند بعض المفعمين بالإحساس الثقافي والحس الأدبي طاقاته لرسم «مشاهد» المحتوى، ثم لا يلبث بوجود «قوافل» المتطفلين و«طوابير» الفضوليين؛ فترتفع مستويات «الحسد»، وتعلو معدلات «التباغض».
ننتظر ردود أفعال، تعكس ثقافة المجتمع ورقي أفراده، ثم نصطدم بردات وهجمات، تعكس «السخرية»، وتشيع «الاستهزاء»؛ فننكص على «أعقاب» الحيرة.. ونتساءل عن عمق الداء في استجابات لا تتوافق مع أبجديات ومسلّمات «الارتقاء» بالفهم و«الترقي» بالسلوك.
نعرف «شخصيات» لها قيمتها في مجالات الثقافة، ثم نُفاجَأ بسقوطه في أول اختبار للاختلاف؛ فتكثر سقطاته، وتتكاثر إسقاطاته نحو الأطراف الأخرى؛ فنرى فشله في إدارة ذاته، وهزيمته أمام «محكات» التفريق بينه وبين جاهل، أراد مجاراته بالجهل فتغلَّب عليه.. إذن، فماذا استفاد من ثقافته التي يجب أن تكون عنوانًا لسلوكه في «مسالك» الخلاف؟!
تغيب الثقافة كثيرًا في مجالات التعاطي مع الأحداث، والتعامل مع القضايا؛ فنرى رسمية وأنظمة دون أن يكون هنالك حالة من الاكتمال بين التنظيم والتثقيف، ووضع من التكامل بين العطاء والتعاطي مع الأمور اليومية في الشأن الأسري والحياتي والاجتماعي والنفسي.
الثقافة مشرب عظيم، يرتقي بأخلاق الإنسان، ويرقى بأخلاقيات التعامل.. ومفهوم علمي معرفي، يتطلب ضرورة التقيد به في ميادين العيش والتعايش، سواء مع النفس أو مع الغير حتى نسمو بالفكر ونعلو بالمعرفة.
يجب أن تستخدم الثقافة كخط دفاع ضد المؤثرات، ووسيلة ترافع أمام المحبطات، وغاية تنتهي إليها كل معاني التعاملات..
علينا مواجهة موجات وهجمات «الخذلان» و«الفراغ»، وعلاج «نوبات» الفشل، وصد «حيل» الفتن بثقافة تنبع من التربية، وتسيطر في المواقف، وتهيمن في النتائج.
ينبغي أن تكون الثقافة سلوكًا أصيلاً، ينير لنا دروب المسالك المعتمة، ويضيء متاهات الدروب المظلمة.. فمتى ما اعتلى الإنسان بثقافته في كل شؤون حياته ومعاملاته ارتفعت قيمته في نظر نفسه، وفي أنظار الآخرين.