د. أحمد الفراج
نواصل رحلتنا مع أفضل عشرة رؤساء في تاريخ أمريكا، فقد كتبت عن واشنطن ولينكولن وفرانكلين روزفلت وجيفرسون وويلسون، وسادس العشرة هو اسم شهير، قد يفاجئ الجميع أنه ضمن هذه النخبة، أي جون كينيدي، سليل أسرة كينيدي الثرية والشهيرة، التي تلقب بالأسرة المالكة لأمريكا، فقد كان حلم والد كينيدي هو أن يصل أحد أبنائه للرئاسة، وقد تحقق ذلك في عام 1960، عندما فاز ابنه جون على السياسي المخضرم، والرئيس لاحقًا، ريتشارد نيكسون، وحكم لفترة قصيرة، لم تتجاوز الثلاث سنوات، ثم اغتيل بطريقة بشعة، في مدينة دالاس بولاية تكساس، ورغم إغلاق ملف الاغتيال رسميًّا، وتسجيل الفاعل على أنه المواطن، لي هاردي اوزوالد، ورغم مرور أكثر من خمسين عامًا على الحادثة، إلا أن شرائح واسعة من الشعب الأمريكي وحول العالم، ما زالوا يعتقدون أن اغتياله كان نتيجة مؤامرة، والتفاصيل حول هذا تطول.
لا بد أنكم تتساءلون عن سبب تصنيف المؤرخين والاستطلاعات الشعبية لهذا الرئيس ضمن أفضل عشرة رؤساء، رغم أنه حكم لفترة قصيرة، وفي تقديري أن سبب تصنيف المؤرخين له، هو أن هذه الفترة القصيرة شهدت أحداثًا جسامًا داخليًّا وخارجيًّا، ففي الداخل الأمريكي، كانت أمريكا في حرب مع نفسها، إذ كانت ثورة السود في أوجها، تطالب بإلغاء قوانين الفصل العنصري، وبالمساواة بين السود والبيض، وقد كان كينيدي مؤيدًا لذلك، ومدركًا للظلم الذي يعانيه السود، خصوصًا في الجنوب الأمريكي، أما خارجيًّا، فقد كان العداء بين المعسكرين الشرقي والغربي (الاتحاد السوفييتي وأمريكا) في ذروته، بل كادت أن تنشب حرب نووية بين المعسكرين، كما شهدت فترة حكم كينيدي عملية خليج الخنازير، التي حاولت أمريكا من خلالها الإطاحة بنظام فيدال كاسترو في كوبا، وفشلت في ذلك فشلا ذريعًا.
أما بالنسبة للاستطلاعات الشعبية، التي صنّفت هذا الرئيس عاليًا، فلم يكن ذلك بسبب إنجازاته فقط، بل كان هناك أسباب إضافية، منها أنه كان شابًا، فهو أصغر رئيس منتخب في التاريخ الأمريكي، إذ فاز وعمره 43 عامًا فقط، كما أنه كان وسيمًا، وذا كاريزما طاغية، إذ يبدو كممثل سينمائي أكثر منه سياسي، وزاد من ذلك أنه كان متزوجًا من جاكي كينيدي، وهي ليست بعيدة عنه في الجاذبية، فقد افتتن الإعلام والشعب الأمريكي بهما، ولا ننسى دور الاغتيال المأساوي لكينيدي في ازياد وتيرة حب وتعاطف الشعب الأمريكي معه، ولأن حياة أي سياسي لا تخلو من أخطاء، فقد اشتهر كينيدي بعلاقاته الغرامية، وأشهرها علاقته بنجمة السينما في ذلك الوقت، مارلين مونرو، وهي العلاقات، التي ربما كان لها دور في ما حدث له، ورغم أنه يبدو في صحة جيدة، إلا أنه تم الكشف -بعد وفاته- عن أنه يعاني من أمراض كثيرة، ويستخدم الكثير من الأدوية، والخلاصة هي أن هذا الرئيس الشاب فاز بما يشبه المعجزة، واغتيل بطريقة مأساوية، وتم تصنيفه كواحد من أفضل رؤساء أمريكا، والسؤال هنا: «لو لم يتم اغتيال كينيدي، وحكم مدة أطول، فهل كان سينال هذا التصنيف؟!».