د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
حديث الساعة يتمحور حول التعديلات الأخيرة على نظام وثائق السفر، وتخليص المرأة في المجتمع من بعض أمور الوصاية غير المنصفة في حقها. ورغم ترحيب أغلبية الشعب السعودي ممثلة في معظم النساء وقطاع كبير من الرجال للتعديلات، إلا أنه كالعادة ستبقى شريحة صغيرة متوجسة من هذا التغيير مثل توجسها من أيّ تغيير آخر في المجتمع. وأتت هذه الإصلاحات المهمة بعد إصلاحات أخرى مكنت المرأة من قيادة السيارة، ومن العمل في كافة قطاعات المجتمع، ولذا أتت طبيعية ومتسقة معها.
نظرة موضوعية لمجتمعنا سواءً في الماضي أو في الحاضر القريب توضح أنه كان في حاجة ماسة لمثل هذه القرارات المهمة لأنه بطبعه سواءً بسبب موروثة الثقافي أو طابعه القبلي يفرق بشكل غير مقبول ضد المرأة. ولم تسبب هذه التفرقة إعاقة للنمو الطبيعي للمجتمع فقط، بل وتسببت في كثير من المشاكل كانت المرأة فيها هي الطرف الأضعف، وانعكست هذه المشاكل في جزء كبير منها على الأطفال الذين لا حول لهم ولا قوة.
شريحة كبيرة من مجتمعنا قد لا تتفهم أهمية مثل هذه القرارات لأنها بطبعها تعودت على حل قضاياها المتعلقة بالمرأة بالحسنى والتراضي، ولكن بقاء المرأة بدون تشريعات واضحة تحميها جعلها دائمًا الطرف الأضعف، الطرف الذي يتنازل عن حقه من أجل مفاهيم وعادات اجتماعية معينة نظرت لها واستفردت بها على أنها هي فقط المسؤولة عن الشرف المجتمعي، وأنها أحيانًا محط الشك حتى تثبت براءتها، بينما بقيت كل الأمور الأخرى بيد الرجل. وكان لدينا مفهوم غريب للعفة وهو أن السبيل الوحيد لعفة المجتمع ليست التربية الحسنة والخلق الكريم بل في إغلاق الأبواب عليها، أو فرض زيٍّ معينٍ عليها حتى لا تغري الرجل، أما الرجل فهو معذور لتعديه على المرأة لأنها ببساطة إن خرجت لحاجتها، أو كشفت وجهها، أو قادت سيارتها تغريه ولا يسيطر المسكين على نفسه ولذا فهو معذور!! أي أن مسؤولية العفة تقع على طرف واحد فقط من طرفي المجتمع.
المرأة، رغم الاختلاف الفيسيولوجي عن الرجل، لا تختلف عن الرجل إطلاقًا في أيّ أمر من أمور الحياة، العقل، العاطفة، الغرائز، الرغبات، وأيضًا محبة الحرية والتخلص من القيود الزائدة إلى غير ذلك من الأمور.. وقد تتفوق المرأة على الرجل في كثير من القدرات سواءً العقلية أو الجسدية أو حتى العاطفية. ولكن العرف الاجتماعي أحيانًا لا يراعي ذلك، وفي أحيانًا كثيرة، اعتبرت الإساءة للمرأة سواء عاطفيًا أو جسديًا مكوناً من مكونات الرجولة للرجل. وتماهت المرأة مع هذه المفاهيم الخاطئة من أجل سد الذرائع، والحفاظ على الأسرة. وكثيرًا ما عوقبت المطلقات لرفضهن المعاملة الزوجية السيئة باستغلال مشين للتشريعات السابقة التي تفترض حسن النية لدى الرجل، وتشكك في نية المرأة. والإسلام هو أول التشريعات التي أنصفت المرأة، والجاهلية هي التي ظلمتها. وجميع التشريعات الإسلامية أتت لحفظ حقوق الزوجين وتركت بعض الأمور للرجل بشكل نسبي فأساء البعض تدريجيًا استخدامها. الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان هو المبدأ الإسلامي للزواج، ولكن بعض الأزواج للأسف لا يمسك بمعروف وعند الطلاق لا يسرح بإحسان، وبلغ البعض منهم درجة من الغباء والقسوة وسوء الخلق أن ينتقم من زوجته من خلال أبنائها، فهو يستغل بعض الأمور النظامية ليتهرب من النفقة على أولاده، أو حتى منعهم من حقوق أساسية كالسفر أو أوراق الثبوتية التي تسمح لهم بدخول المدارس أو قضاء حوائجهم الأخرى. وهناك بعض المآسي التي تجسد مثل هذه الأوضاع.
المرأة نصف المجتمع، ولها عقل وشخصية كالرجل تمامًا، وعندما تبلغ عمراً معيناً يجب أن تختلف النظرة لها وتقل الوصاية عليها، أمر قد لا تتقبله شريحة معينة في مجتمعنا ولكنه هو الوضع الأصح والأسلم. وعندما يدرك الرجل أن هناك حدودًا معينة لوصايته على المرأة وأنها قد تملك أمرها بيدها، فسيضطر للتغير للأفضل في معاملتها أو على الأقل كف أذاه عنها. وسيتحول التعامل مع المرأة من الزجر والشك، للنصح والتربية والرفق. أما فيما يتعلق بالجهات الرسمية، ستكون محايدة فيما يتعلق بالمشاكل الأسرية وستنظر للفرد السعودي البالغ، امرأة كانت أو رجلاً بعين المساواة أمام النظام، وسيفصل القضاء بشكلٍ متساوٍ بينهما في خلافاتهما وسيكفل للجميع العيش الكريم الذي يستحقه.