د.عبدالله بن موسى الطاير
اختصر الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان أيدهما الله على المرأة السعودية الزمن، ورفعا بحزمهما التطبيقات الجائرة التي فرضتها قاعدة سد الذرائع التي لم توصد الطرق المؤدية إلى الشرور فحسب، بل أغلقت بعض سبل الحياة الكريمة بدون مبرر. لقد كبلتها العادات والتقاليد، وسياجات سد الذرائع، وآن لها أن تتمتع بحقوقها كما غيرها من المسلمات في مشارق الأرض ومغاربها.
دخلت علي إبان عملي ملحقًا ثقافيًا في الإمارات شابة سعودية يرافقها شاب يمني، وطلبت إلحاقها بالبعثة في إحدى الجامعات في أبوظبي، محل إقامتها. كانت أرملة مواطن إماراتي لم تجد مكانًا بعد وفاة زوجها سوى بيت أختها المتزوجة من يمني... تعيش عالة على مضيفتها، وتتعذب من ذلك الإحساس. نصحتها بالعودة إلى المملكة للتسجيل في الضمان الاجتماعي حتى تنتهي الإجراءات. فقالت والعبرات تخنقها إنها يتيمة الأب والأم وليس لها أقارب من الدرجة الأولى، وبذلك فإذا دخلت المملكة لن تتمكن من الخروج لأن أحدًا لن يعطيها تصريحًا بذلك.
وذات مساء اتصلت بي في إجازة عيد الأضحى مواطنة سعودية مبتعثة إلى بريطانيا، مع زوجها وثلاث بنات لهما. فشل الزوج في دراسته، وفي إجازتهم في المملكة صادر جوازات سفرهن، ومنعهن من العودة للدراسة. واضطرت الوزارة إلى الرفع للمقام السامي بطلب الموافقة على تغيير المحرم، وقد جاءت الموافقة بذلك. قصتان من الداخل السعودي أسوقها، وأقسى منهما مئات القصص التي لم ترو، وأعرف الكثير منها حول تعنت بعض الرجال في ولايتهم على المرأة.
هذا لا يعني أن المجتمعات التي تتمتع فيها المرأة بحريتها كاملة لا تتعرض لمصاعب، فقد وقفت على حال سيدة عربية متزوجة من عربي فرنسي لها بضع سنوات لم تتمكن من الطلاق، وغاية ما حصلت عليه بعد أربع سنوات في المحاكم، وبعد خسارة عشرات الآلاف من اليوروات على المحامين، هو السكن مع طفليها في بيت مستقل بعيدا عن خطر الزوج المضطرب نفسيا. وعلى ضفة الأطلسي الغربية سيدة سعودية، انتزع منها زوجها المبتعث أبناءها، وحكمت له المحكمة بذلك، ومنعهم من العودة للمملكة مع أمهم لأنه أقنع المحكمة بأنه لا يريد لأبنائه أن يتربوا في السعودية، على الرغم من صدر حكم نافذ في السعودية بحقها في الحضانة. ثلاث سنوات وهي تنفق الآلاف الدولارات في المحاكم والسفر لأمريكا لعل القضاء ينصفها بعد أن تزوج أخونا أمريكية تربي له أولاده، وأمهم تتوسل المحاكم الأمريكية لمجرد قضاء أيام مع أطفالها.
ما أريد الوصول إليه من هذه الحكايات هو أن حصول المرأة على جواز سفرها، وقدرتها على مغادرة المملكة بدون موافقة وليها لا يعني تعطيل واجبات أخرى، شرعية أو نظامية، وإنما هو منح المرأة حقها النظامي ولها أن تمارسه ولها أن تمتنع عنه، تماما كحقها في قيادة السيارة. لقد صور الرجل السعودي على أنه فك مفترس سوف يعتدي على المرأة عندما تقود سيارتها بنفسها، ومع ذلك فقد خرجت تقود سيارتها ولم يتعرض لها أحد. والآن تُصور المرأة على أنها مسجونة ستهرب من البلد بمجرد حصولها على حق استخراج جوازها والسفر بدون موافقة، وهذا لن يحصل. هناك من هربن في ظل القيود التي كانت مفروضة على السفر، وهناك آلاف من المبتعثات عدن طواعية إلى حيث القيود المفروضة على سفرهن، بعد نهاية دراستهن.
أذكر أن الفرنسيين كانوا يستغربون عندما أقول لهم إن زوجتي وابنتي رفضن مرافقتي للإقامة في باريس عندما كنت أعمل هناك، كان الفرنسيون يتوقعون أن الفرصة عندما تلوح للمرأة السعودية بمغادرة المملكة فإنها لن تتردد للحظة في اقتناصها، لكن هذه ليست الحقيقة. المرأة السعودية مرتبطة بمجتمعها، وثقافتها، ومحافظة في دينها، وتحب بلدها، ولا تمانع في الاستفادة مما لدى المجتمعات الأخرى سواء أكانت دارسة أو عاملة أو سائحة.
لقد رفع ولي الأمر الخلاف في أمور يمارسها المسلمون في كل المذاهب، ونحن في المملكة أولى أن ننفتح على جميع التفسيرات وأقوال المذاهب الأخرى لنتمكن من استيعاب المسلمين فنحن مرجعيتهم الدينية، ولا بد من سعة الأفق بحيث نتفهم الخلافات الفقهية دون إقصاء أو استعلاء أو تفريق بين المسلمين.