د.عبد الرحمن الحبيب
قال الرئيس الأمريكي ترامب عن رئيس الوزراء البريطاني الجديد بوريس جونسون: «إنهم يقولون ترامب بريطانيا»؛ إنهم يسمونه «ترامب بريطانيا»؛ وهناك أشخاص يقولون إن هذا أمر جيد». «إنهم يحبونني هناك، هذا ما يريدونه، هذا ما يحتاجونه». هناك آخرون يعدلون التسمية الجديدة لجونسون ويطلقون عليه «ترامب مع قاموس»، لأن الأول مثقف وخريج ألمعي من جامعة أكسفورد، بينما الثاني رجل أعمال ناجح بقاموس مفردات ضحل نسبياً، والأول له خبرة عميقة في السياسة على خلاف الثاني. لا يتشابه الاثنان في الأفكار وطريقة التفكير فحسب، بل أيضاً يتشابهان في السلوك الشخصي المثير للجدل وحتى بالمظهر الخارجي اللافت للانتباه وكأنهما توأمان.
الأهم من كل ذلك أن الزعيمين ظهرا من نفس القاعدة الشعبوية التي تتوسع في الغرب، ويطلق قادتها شعارات وطنية حادة ووعود يصعب أو ربما يستحيل تحقيقها.
هذه الشعبوية لم تأتِ من فراغ بل من غضب الطبقة الوسطى المناهضة للعولمة والنظام الدولي، خاصة التجارة الحرة التي تعاني منها الطبقة الوسطى بالغرب وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا، وإن كانت الثانية أسوأ مالياً، وترى أن بيروقراطية الاتحاد الأوربي جنت عليها وتطفَّلت على اقتصادها.
المفارقة أن أهم بلدين في العالم شاركا في تأسيس النظام الدولي، صارا الآن يسعيان للتملص منه، فهذا النظام تشكل بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بصناعة غربية تقودها أمريكا، وأكبر داعم لها كانت بريطانيا؛ عندما أشرفت الدولتان على إنشاء مؤسسات ما بعد الحرب مثل الأمم المتحدة، واتفاقية بريتون وودز (تثبيت العملات مقابل الدولار، وإنشاء صندوق النقد الدولي) والناتو ونظام التجارة الحرة العالمي.
الآن، ما الذي سيفعلانه معاً؟ ترامب يسعى للتحرر من الالتزامات الدولية، واستبدالها بصفقات أحادية الجانب، ومشابه له يسعى جونسون إلى الخروج من الاتحاد الأوربي بأسرع وقت باتفاق أو بدونه، بينما بقية دول العالم لا تفعل شيئًا من هذا القبيل، بل تحركت بالفعل خلاف ذلك، فقد أبرمت صفقات تجارية خاصة بها دون الولايات المتحدة وبريطانيا؛ حسبما أشار كيث جونسون المختص في الاقتصاد العالمي.
أما إذا عمل ترامب وجونسون سوياً، فيقول ميشال هيرش المحرر بمجلة فورين بولسي : «ربما سوف يسعيان لتفكيك الغرب كما نعرفه؛ فلا يوجد ما يُخبرنا عن مقدار الضرر الذي يمكن أن يحدثاه، إذا حصلا على الوقت الكافي.
«قد لا يكون لديهما الوقت الكافي معاً، فجونسون وعد البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي بحلول 31 أكتوبر، وهو أمر مشكوك فيه للغاية في ظل الانشقاقات في حزبه ومعارضة الأحزاب الأخرى، خاصةً أن استطلاعات الرأي تظهر أن غالبية البريطانيين يعارضون الخروج دون اتفاق، فضلاً عن أن الخروج دون اتفاق قد يؤدي لخروج اسكتلندا من بريطانيا وبالتالي تفكك الدولة.
كما أن بنك إنجلترا المركزي حذر من «صدمة فورية» للاقتصاد حال الخروج دون اتفاق، إذ سيبطئ النمو الاقتصادي، ويزيد التضخم، ويضعف الجنيه الإسترليني.
كل هذه المخاوف قد بدأت بالفعل! لكن إذا كان لديهما متسع من الوقت، فما هو مستقبل العلاقة بينهما؟ يقول تشارلز كوبشان، خبير العلاقات عبر المحيط الأطلسي بجامعة جورج تاون : «الآن كلاهما سيستخدم كرة الهدم [الخاصة بهدم المباني]، لكنه يستدرك قائلاً : «على الرغم من أن ترامب وجونسون يتشابهان فكرياً، إلا أنني لا أتوقع أن يتعاونا بشكل منتظم.. لا يميل ترامب إلى إقامة علاقات دائمة وذات معنى مع قادة العالم الآخرين؛ إنه يفضل أن يكون بمفرده، مع وضع «أمريكا أولاً».
وسيكون جونسون مشغولاً بالتعامل مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بحيث سيكون لديه نطاق ضيق لأي شيء آخر، بما في ذلك احتكاك الكتفين مع ترامب». وعلى الرغم من التشابه الكبير بينهما إلا أن ثمة خلافات.. فسبق أن استنكر جونسون نفسه ذات مرة معاملة ترامب للمهاجرين ووصف اقتراحه بحظر المهاجرين المسلمين بأنه «هراء كامل ومطلق».
وبعد أن قال ترامب في عام 2015 إن هناك مناطق «محظورة» في لندن بسبب المتطرفين المسلمين، قال عمدتها جونسون إن ترامب أظهر «جهلًا مقلقًا جدًا يجعله، بصراحة، غير لائق لتولي منصب رئيس الولايات المتحدة.
« يقول هيرش إن «ترامب حريص بكل وضوح على أن يكون جونسون حليفًا في مهمته العظيمة المتمثلة في إزالة النظام الدولي.. وإذا وقفت بريطانيا إلى جانب الولايات المتحدة، فإن هذا بدوره يمكن أن يخلق المزيد من الانشقاق في التحالف عبر المحيط الأطلسي.
وسوف يحدث هذا في وقت يحذر فيه صندوق النقد الدولي من أن هذه الطفرة الأخيرة من المحافظين الجدد - في شكل توترات تجارية عالمية، واستمرار حالة عدم اليقين، واحتمالات وشيكة لخروج بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي من الصفقة - تؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي، الذي يواجه حالة «محفوفة بالمخاطر» عام 2020.
ووصف كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي جيتا جوبيناث هذا الاحتمال جزئيًا بأنه «متضرر ذاتياً».
المتضرر ذاتياً في العلوم الصحية يطلق على من يتسبب بالإصابة بنفسه، ويقال إن الجروح الذاتية لا يمكن الشفاء منها، أما في العلوم السياسية فكل شيء ممكن، فالسياسة فن الممكن.