يوسف المحيميد
لا تكاد تجلس مع أصدقاء، أو في مجلس كبير، إلا وتسمع أنواع الاستخفاف والسخرية من مشاهير التواصل الاجتماعي، أو ممن يسمون بالفاشينستا، وانتقاد تصرفاتهم وسلوكهم، وأفكارهم السطحية، واستغلالهم لملايين المتابعين، وبيع الكلام الفارغ عليهم ليلاً ونهارًا، حلاً وترحالاً، وحين يتفرق هؤلاء المنتقدون تجدهم ضمن الملايين الواقعين تحت طائلة الاستغلال والضحك على «الذقون»!
ولو سأل أحدهم نفسه، في لحظة صدق وصفاء، من أين جاء هؤلاء، أليس كل «مجتمع» بما فيه ينضح؟ أليس هؤلاء هم إخواننا، وأبناؤنا، وتلاميذنا، أليسو منا وفينا؟ أليس المحتوى الذي يوفره المجتمع لهم من خلال ثقافته وتعليمه لسنوات طويلة هو ما نراه وننتقده ونسخر منه؟ صحيح أن المجتمع الآن أصبح مجتمعًا عالميًا واحدًا، من خلال الإنترنت والتواصل الاجتماعي، لكن ذلك لا يلغي هوية كل مجتمع على حدة، ولا يقلل من المحتوى التعليمي والتثقيفي الذي يميز كل مجتمع عن غيره.
قبل عقدين تقريبًا، كنا نستغرب مما تفعله برامج الواقع في أمريكا، والغرب عمومًا، وكيف تسوق شخصيات عادية لمجرد تسليط الضوء والكاميرا عليه طوال الأربع والعشرين ساعة، ثم شاهدنا كيف تسلط كاميرات برامج مثل «ستار أكاديمي» وما شابهه، وتخلق لنا نجومًا وهميين، مجرد أن يظهر أحدهم في مجمع تجاري حتى ترى حشود المراهقين وقد تحلقوا حولهم، وملأوا المكان صراخًا وزعيقًا، ما حدث الآن هو أن أصبح لك إنسان كاميرته وقناته وجمهوره في جيبه، هو رئيس التحرير والمحرر والمصور والمخرج والمذيع وصانع المحتوى وما إلى ذلك، بل لا يحتاج محتوى أصلاً، فقط عليه أن يصور أمه وهي تأكل وتضحك، أو يشاغبها ويستفزها، كي يجذب المتابعين أكثر فأكثر، وتتحول أمه أو طفلته إلى سلعة جاهزة، ويمرر من خلالها الإعلانات لسلع ومحلات لا قيمة لها، كي يقبض الأموال، ويصبح ثريًا يصور رحلاته، ومشترياته الثمينة؛ هكذا يسير المجتمع بلا هدى نحو التزييف والهرطقة، لا شيء صادق وحميم، كل شيء كاذب وسطحي، وبلا عمق أو قيمة.