د. أحمد الفراج
نواصل الرحلة مع المؤرخين والاستطلاعات الشعبية، التي حدّدت أفضل عشرة رؤساء حكموا الامبراطورية الأمريكية، فقد تناولنا واشنطن ولينكولن وفرانكلين روزفلت وتوماس جيفرسون، واليوم حديثنا عن رئيس لم يكن أحد يتوقع أن يكون ضمن أفضل عشرة، وهو الرئيس ودرو ويلسون، الذي فاز بالرئاسة عام 1912، ثم أعيد انتخابه لفترة ثانية عام 1916، وكان قبل ذلك حاكمًا لولاية نيوجرسي، وقبلها مديرًا لجامعة برنستون العريقة، ويحسب له أنه كان وراء قرارات كبرى، سواء في الشأن السياسي أو الاقتصادي أو العسكري، فله الدور الأكبر في إنشاء البنك المركزي والنظام الاحتياطي الفيدرالي، ومع أنه حاول تحاشي دخول الحرب العالمية الأولى، إلا أنه فعل ذلك، بعد أن وصلت الاعتداءات على أمريكا حدًّا لا يمكن السكوت عليه، وبالفعل دخلت أمريكا الحرب، وفقدت جراء ذلك ما يزيد على مائة وعشرين ألف جندي، وأكثر من مائتي ألف مصاب، وكان ويلسون يرغب في إنشاء نظام عالمي يقوم على السلام بديلا للحروب.
في شهر يناير من عام 1918، ألقى الرئيس ويلسون خطبة شهيرة، اشتهرت فيما بعد باسم: «خطبة الأربع عشرة نقطة»، وكان من أهم ما ورد في الخطبة هو الدعوة لإنشاء منظمة عالمية تضمن الاستقلال لجميع الدول، والانسحاب من المناطق المستعمرة، وحق تقرير المصير لسكان النمسا والمجر ومناطق الخلافة العثمانية، والطريف هو أن هذا الرئيس هو أول من أنشأ مكتب خاص بالبروباقاندا، وبعد نهاية الحرب، سافر إلى فرنسا لحضور مؤتمر باريس للسلام، كأول رئيس أمريكي يزور أوروبا وهو في سدّة الرئاسة، وقد كان رابع أربعة كبار في ذلك الزمن، مع رئيس وزراء بريطانيا، ديفيد لويد جورج، ورئيس وزراء فرنسا جورج كليمنسي، ورئيس وزراء إيطاليا، فيتوريو اورلاندو، ورغم كل هذا التاريخ الحافل بالإنجازات، إلا أن هذا الرئيس، الذي ينتمي للجنوب الأمريكي، كان يتهم بالعنصرية، إذ سمح للإدارات الفيدرالية أن تفصل البيض عن السود، وهو السلوك الذي كان شائعًا في ذلك الوقت، أي بعد الحرب الأهلية، وقبل صدور قانون الحقوق المدنية، الذي ساوى بين السود والبيض، وله قرارات أخرى مجحفة بحق المواطنين السود، ورغم كل ذلك، فقد تم تصنيفه كأحد أفضل عشرة رؤساء، والخلاصة هي أنه بدأ حياته أستاذًا جامعيًا ورئيسًا لجامعة مرموقة، وانتهى رئيسا لأمريكا وأحد أفضل رؤسائها.