د. عبدالحق عزوزي
تعد الضرائب وسيلة ناجعة للزيادة في مداخيل الدول وهي بمنزلة الأوكسجين الدائم الذي يسمح باستمرار مصاريف الدولة في جميع القطاعات؛ ومن الضرائب نجد تلك التي تفرضها بعض الدول على كبريات الشركات العالمية، وهي ليست بالمسألة السهلة لأنها قد تحدث ردود فعل كبيرة وعلى أعلى المستويات؛ ونفهم جليًا لماذا دعا منذ أيام وزير الاقتصاد الفرنسي الولايات المتحدة الأمريكية إلى عدم الخلط بين الضرائب التي فرضتها باريس على الشركات الرقمية الكبرى وبين الرسوم الجمركية. وجاءت تصريحات الوزير ردًا على انتقاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اللاذع لماكرون على خلفية الضريبة التي أقرها البرلمان الفرنسي مؤخرًا. وتنص الضريبة الرقمية الفرنسية على أن تدفع الشركات نسبة 3 في المائة من إيراداتها في فرنسا، خصوصًا تلك التي تحققها من الدعاية على الإنترنت وبيع البيانات لأهداف إعلانية والعمليات التجارية عبر المواقع الإلكترونية.
وكان مجلس الشيوخ الفرنسي قد تبنى نهائيًا في 11 يوليو/ تموز الماضي فرض ضريبة على عمالقة الشركات التي تسمى «جافا». وتستهدف تلك الضريبة نحو 30 شركة رقمية عملاقة مثل قوقل وأمازون وأبل وفيس بوك وميتيك وإنستغرام والفرنسية كريتيو. ومن المفترض أن تدخل هذه الضريبة إلى خزينة الدولة الفرنسية عام 2019 نحو 400 مليون يورو، ثم 650 مليون يورو بحلول العام 2020.
ونعلم أيضًا أن الضرائب مرتبطة أيما ارتباط بالسلم الاجتماعي. ونتذكر أنه من بين أسباب خروج الفرنسيين في إطار ما يسمى بأصحاب السترات الصفراء، غلاء المعيشة وارتفاع الضرائب؛ فمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية نشرت في أحد تقاريرها أن فرنسا تخطت الدنمارك لتسجل أعلى إيرادات ضريبية بين البلدان المتقدمة في السنوات الأخيرة حيث شهدت حصيلة الضرائب الحكومية مستوى قياسيًا مرتفعًا في أرقام لم تساعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بسهولة على تهدئة المحتجين الغاضبين بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة.
ومما جاء في التقرير أن إجمالي إيرادات الضرائب الحكومية الفرنسية بلغ في المتوسط 34.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بين الدول الأربع والثلاثين المتقدمة... ونفهم جليًا أنه بعد نتائج الحوار الوطني الكبير للخروج من أزمة السترات الصفراء التي شهدتها فرنسا لأزيد من ستة أشهر، توقف الرئيس الفرنسي في مؤتمر مطول ألقاه مباشرة من قصر الإليزيه، عند مسألة الضرائب التي كان ينتظرها الفرنسيون؛ ومن بين الإجراءات التي جاء بها أنه يتعين على الفرنسيين أن يعملوا أكثر احتذاء بسكان دول الجوار لأن العمل هو ما يؤدي إلى تراكم الثروات، وأنه قد اتخذ قرار تخفيض الضرائب على الدخل بالنسبة للعاملين (ما يقرب من 5 مليارات يورو) ويتم تمويلها من خلال سد الثغرات الضريبية الناتجة عن الإعفاءات وزيادة ساعات العمل وتخفيض النفقات الحكومية.
ثم إن طلب الزيادة في الضرائب قد ترتبط بحالات فريدة قلما تجدها في الكتب التي ندرسها في الجامعات لطلبتنا، وهي تأتي من دافعي الضرائب أنفسهم، وأقصد بذلك الخطاب المفتوح الذي وقعه أبرز الأثرياء في الولايات المتحدة لمرشحي سباق انتخابات الرئاسة لسنة 2020 والذين طالبوا فيه بضرورة دعم ضريبة ثروات على فاحشي الثراء لتعزيز المساواة ومكافحة التغير المناخي حيث قالوا بالحرف: «هناك مسؤولية أخلاقية واقتصادية ملقاة على عاتق الولايات المتحدة تدفع بها في اتجاه فرض المزيد من الضرائب على ثرواتنا». وأكدت هذه المجموعة وتضم أبرز الأمريكيين ثراء على أنهم لا ينتمون إلى أي حزب ولا يدعمون أي مرشح.
ومن الموقعين، البالغ عددهم 18 شخصًا، ورثة والت ديزني، ومالكو سلسلة فنادق حياة وجورج سوروس، والشريك المؤسس في فيسبوك كريس هيوز، ومولي مونغر ابنة الملياردير شارلي مونغر. وأشار الخطاب إلى أن الملياردير وارن بافيت مثلا يدفع ضرائب أقل من مدير مكتبه!
وارتبطت أسماء الكثير من الموقعين بمبادرات ركزت على مشكلات مثل التغير المناخي واتساع الفجوات المالية بين الأمريكيين.. وكما قلت في بداية المقالة فإن مثل هاته الضرائب قد تفيد الخزينة العامة كثيرًا؛ فالمرشحة الرئاسية المحتملة عضوة مجلس الشيوخ الأمريكي عن الحزب الديمقراطي إليزابيث وارن التي ما فتئت تنادي بفرض ضرائب أعلى على من تتجاوز ثرواتهم 50 مليون دولار، تقول في خطاباتها أنه إذا ما طبق هذا المقترح في المستقبل فإن ذلك، سيؤثر في 75 ألف أسرة من أغنى الأسر في الولايات المتحدة. وقدرت التقارير الجادة بأن الأموال التي قد تدخل إلى الخزانة الأمريكية قد تعادل نحو 2.75 تريليون دولار..