أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: صفة العالم النزيه: أنه متمكن في فنه؛ وأنه ذو ثقافة واسعة تخدم تخصصه أو تخصصاته، وأنه ذو إيمانٍ علميٍ؛ والإيمان بالله وبدينه من خصائل الإيمان العلمي، وكلمة (داعية) لا قيمة لها في نفسها؛ فليست معيارا فكريا؛ بل القيمة لما يلحق بها من أوصاف؛ وكون العالم نزيها ذا إيمان علمي: يعني أنه داعية للعلم حقا وخيرا وجمالا؛ فهذه الأوصاف هي القيمة لكونه داعية؛ إذن لمن ستكون الفاعلية في عصرنا المضطرب بعد ما شهدناه من دعايات حقٍ بغير علمٍ، ولا منهجٍ راشد، ومن دعايات باطلٍ مضللة، ومن مثقفي مقايسات تراثيين، أو عالةٍ على الخواجيين؟!.. كل هذا مرهون بطرح مثقفي المقايسات العالة على الخواجيين؛ مما يأتي ملخصا في هذه اللذعة.. لقد تضامنت الأطروحات أصواتا من بني جلدتنا.
قال أبو عبدالرحمن: لقد كانت نهاية الحرب الباردة ضد أمتنا، وكانت التمهيد لبدايات الغزو العسكري الراهن لأراضينا ومواردنا ورموزنا وعامتنا، وعلى ما نالته تلك الأصوات من دعمٍ أجنبي مباشر وغير مباشرة، ومن تلميع؛ فلم تكن صوتا جماهيريا، ولم تكن متفاعلة مع عواطف الأمة؛ لهذا تقنع ذووها بصفتهم برآء من معاناة أي همٍ معياري، وذلك هو صفة (النخبة)؛ فليسوا هم نخبة الإيمان العلمي؛ وإنما هم منتخبون؛ ليصلوا الحرب الكلامية على أمتنا بالحرب العسكرية؛ وأهل تلك الأصوات فئتان: أصوات (التثقيف الجنوبي)؛ وذلك بالنسبة لبعض العرب من فرنسا.. وأصوات التثقيف الغربي (بالغين المعجمة) في عالمنا الشرقي بالنسبة لأمريكا، ولأقدم إمبراطوريات العصر الحديث (بريطانيا)؛ ومع تعلق ذوي الصوتين بصفة النخبة: فقد ارتادوا الصفة المبجلة، وأصبحت صفة المثقف التقدمي وصمة عارٍ عندهم.. (انظر مقالة الربيعو التي ستأتي الإحالة إليها إن شاء الله تعالى)؛ فانطلقوا بمترادفاتٍ من وصمة العار مثل: حارس الأيديولوجيا.. (استعملوا هذا المصطلح بمعناه الرديء من قبل شرطي الأفكار، والمثقف اللقيط، والمثقفين البطاركة، ومثقفي الدولة، والمثقف المستنسخ، ومثقفي المقايسات، وحارس الثقافة اللاتينية عند (فرانتزفانون)؛ وكان ينبغي التوصيل المفيد بتوثيق هذا القول من مصدره، وبيان منحى المصدر وهدفه؛ من أجل البراءة من التمعلم والمقايسات؛ ولم يذكروا بالخير سوى المثقف المبدئي؛ ويأتي بعد قليل إن شاء الله تعالى وصف هويته.
قال أبو عبدالرحمن: ذكرني بهذه الهموم مقالة الأستاذ (تركي علي الربيعو) بعد أن أتخمت مكتبتي في رحلاتي الأخيرة بكتب أهل التثقيف الجنوبي مع اتخامٍ مسبقٍ بالتثقيف الغربي (بالغين المعجمة).. لقد ألم (الربيعو) بشيءٍ من الإنتاج الحديث لذوي التثقيف الجنوبي؛ أي ذوي الإسقاط، والتعميم، وتسطيح العمق الفكري، والسطو على الفكر العلوجي؛ ومعنى العلوج التمظهر به على الثوابت.. وكل ذلك بتوصيلٍ معقد صعب سببه التمعلم، وسوء الهضم للمعارف، والأسلوب الأعجمي؛ لضعفٍ في الفصحى؛ وقد ذكر (الربيعو) أوهام النخبة لـ (علي حرب)، ونهاية الداعية لـ (عبدالإله بلقزيز)، والمثقف والسلطة أمس واليوم لـ (محمد عابد الجابري)، والفكر الإسلامي لـ (محمد أركون)؛ وأما المحصول من مختصر مقالة (الربيعو)؛ فيتحدد في تساؤلٍ حول قرننا الميلادي الراهن؛ هل سيشهد نهاية المثقف التقدمي؛ ولقد سمي ذلك المثقف بالداعية، وقرن هذا التساؤل بدعوى موت العروبة في كتاب (وداع العروبة) لـ(حازم صاغية).. ومن عوامل هذه النهاية عصر الفيديولوجيا؛ أي (التلفزة) الذي سماه (جان زيفلر) السويسري، و(ريجيس دوبريه) في كتابهما (كي لا نستسلم)؛ انظر هذه التعليقة: (كان ينبغي التوصيل المفيد بتوثيق هذا القول من مصدره، وبيان منحى المصدر وهدفه؛ من أجل البراءة من التمعلم والمقايسات بعصر العبادة العالمية للمرئي)؛ وأما المثقف والسلطة فهما قضية تاريخية؛ فعلاقة السنة أو المعتزلة في الأمس بالدولة هي علاقة السلفييين والأصوليين والعصريين والحداثيين اليوم؛ وهي علاقة تناوبٍ على خدمة السلطة؛ ومع ذلك يذكر أن تجربة مثقفي المعتزلة والحنابلة مع السلطة العباسية علاقة محن ودم؟!.. وعمم الحكم بأن ظاهرة خدمة السلطة مسخت المثقف؛ وبذلك اختفت المشاريع الثقافية والسياسية معا؛ وإلى لقاء في السبت القادم إن شاء الله تعالى، والله المستعان.